الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2478 ص: فإن قال قائل: فقد روي عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يتمون، وذكروا في ذلك ما قد فعله عثمان - رضي الله عنه - بمنى، وما قد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: ثنا يونس بن بكير ، قال: حدثني محمد بن إسحاق ، قال: حدثني صالح بن كيسان ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم أكملت أربعا وأثبتت للمسافر".

                                                قال صالح: فحدثت بذلك عمر بن عبد العزيز فقال: عروة حدثني، عن عائشة - رضي الله عنها -: "أنها كانت تصلي في السفر أربعا".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال: "استأذنت حذيفة من الكوفة إلى المدائن، ومن المدائن إلى الكوفة في رمضان، فقال: آذن لك على أن لا تفطر ولا تقصر. فقلت: وأنا أكفل لك أن لا أقصر ولا أفطر".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح، قال: ثنا ابن عون قال: "قدمت المدينة، فأدركت ركعة من العشاء، فصنعت شيئا برأيي، فسألت القاسم بن محمد ، فقال: كنت ترى أن الله يعذبك لو صليت أربعا؟ كانت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - تصلي أربعا وتقول: المسلمون يصلون أربعا".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح، قال: ثنا ابن جريج ، قال: قلت لعطاء : "أي أصحاب رسول الله - عليه السلام - كان يوفي الصلاة في السفر؟ فقال: لا أعلمه إلا عن عائشة وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنها -".

                                                فهذا عطاء قد حكى عن سعد ، وقد روي عنه خلاف ذلك في حديث الزهري ، وحبيب بن أبي ثابت .

                                                [ ص: 389 ] حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح، قال: ثنا شعبة ، عن حيان البارقي، قال: قلت لابن عمر : "إني من بعث أهل العراق، فكيف أصلي؟ قال: إن صليت أربعا فأنت في مصر، وإن صليت ركعتين فأنت مسافر".

                                                فهذا عثمان بن عفان ، وحذيفة بن اليمان وعائشة وابن عمر - رضي الله عنهم -، قد روي عنهم في إتمامهم الصلاة في السفر ما قد ذكرنا.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: إنكم وإن رويتم أحاديث تدل على القصر ولكن لا نزاع لنا فيه، وإنما النزاع في الإتمام، وقد روي عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يتمون صلاتهم في السفر.

                                                وأخرج في ذلك عن عثمان بن عفان ، وحذيفة بن اليمان وعائشة وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -.

                                                أما ما روي عن عثمان - رضي الله عنه -: فسيجيء إن شاء الله تعالى مع بيان معناه.

                                                وأما ما روي عن عائشة - رضي الله عنها -: فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ... إلى آخره.

                                                ورجاله كلهم ثقات قد ذكروا غير مرة.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث عبد الله بن صالح، حدثني الليث ، قال: حدثني خالد بن يزيد ، عن سعيد ، حدثني ربيعة ، عن صالح بن كيسان ، عن عروة ، عن عائشة : "أن الصلاة حين فرضت كانت ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر على ركعتين، وأتمت صلاة الحضر أربعا".

                                                قال صالح: فأخبرت عمر بن عبد العزيز فقال: إن عروة قد أخبرني: "أن عائشة كانت تصلي أربع ركعات في السفر".

                                                [ ص: 390 ] قال: فوجدت عروة عنده يوما، فقلت: كيف أخبرتني عن عائشة ؟ فحدث بما حدثني به، فقال عمر - رضي الله عنه -: أليس حدثتني أنها كانت تصلي أربعا في السفر؟ قال: بلى".

                                                قوله: "وأثبتت" أي قررت ركعتين للمسافر مثل ما فرضت ركعتين.

                                                قوله: "قال صالح" هو صالح بن كيسان الراوي.

                                                الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن روح بن عبادة ، عن عبد الله بن عون البصري قال: "قدمت المدينة. . . " إلى آخره.

                                                الثالث: فيه عن سعد أيضا، أخرجه عن أبي بكرة أيضا، عن روح بن عبادة أيضا، عن عبد الملك بن جريج المكي ، عن عطاء بن أبي رباح المكي ... إلى آخره.

                                                قوله: "فهذا عطاء " أي: عطاء بن أبي رباح ، قد حكى عن سعد هذا، والحال أنه قد روي عنه خلاف ذلك في حديث محمد بن مسلم الزهري وحبيب بن أبي ثابت .

                                                أما حديث الزهري فهو ما رواه أن رجلا أخبره عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة : "أن سعد بن أبي وقاص والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد يغوث كانوا جميعا في سفر، فكان سعد يقصر الصلاة ويفطر".

                                                وأما حديث حبيب بن أبي ثابت فهو ما رواه عن عبد الرحمن بن المسور قال: "كنا مع سعد بن أبي وقاص في قرية من قرى الشام فكان يصلي ركعتين".

                                                وأما ما روي عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: فأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم بن يزيد التيمي روى له الجماعة، عن أبيه يزيد بن شريك بن طارق التيمي -تيم الرباب- الكوفي روى له الجماعة.

                                                [ ص: 391 ] وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه": عن معمر ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال: "كنت مع حذيفة بالمدائن، فاستأذنته أن آتي أهلي بالكوفة، فأذن لي وشرط علي أن لا أفطر ولا أصلي ركعتين حتى أرجع إليه، وبين الكوفة والمدائن سبعة وعشرون فرسخا".

                                                وأما ما روي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فأخرجه بإسناد حسن جيد، عن أبي بكرة ، عن روح بن عبادة ، عن شعبة ، عن حيان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف- بن إياس البارقي الأزدي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، ونسبته إلى بارق جبل باليمن نزله سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء .

                                                قوله: "من بعث أهل العراق" أي من جيشهم، والبعوث: الجيوش، يقال: كنت في بعث فلان، أي: في جيشه الذي بعث معه.




                                                الخدمات العلمية