الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
11581 [ ص: 87 ] 5208 - (11992) - (3\101 - 102) عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل القرية، قال: " الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين " ، قالها ثلاث مرار. قال: وقد خرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: محمد! قال عبد العزيز: وقال بعض أصحابنا: والخميس.

قال: فأصبناها عنوة، فجمع السبي. قال: فجاء دحية فقال: يا نبي الله! أعطني جارية من السبي. قال: " اذهب فخذ جارية " . قال: فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أعطيت دحية صفية بنت حيي، سيدة قريظة والنضير؟! ما تصلح إلا لك. فقال صلى الله عليه وسلم: " ادعوه بها " ، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خذ جارية من السبي غيرها " ، ثم إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أعتقها، وتزوجها.

فقال له ثابت: يا أبا حمزة! ما أصدقها؟ قال: نفسها، أعتقها وتزوجها، حتى إذا كان بالطريق، جهزتها أم سليم، فأهدتها له من الليل، وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا، فقال: " من كان عنده شيء، فليجئ به " ، وبسط نطعا، فجعل الرجل يجيء بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن - قال: وأحسبه قد ذكر السويق - ، قال: فحاسوا حيسا، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


التالي السابق


*قوله: " فصلينا عندها " : أي: في قربها.

* " بغلس " : - بفتحتين - ; أي: في ظلمة آخر الليل.

* " فأجرى " : من الإجراء; أي: مركوبه.

قال النووي: وفيه دليل على جواز ذلك، وأنه لا يسقط المروة، ولا يخل

[ ص: 88 ] بمراتب أهل الفضل، لا سيما عند الحاجة للقتال، أو رياضة الدابة، أو تدريب النفس ومعاناة أسباب الشجاعة.

* " في زقاق خيبر " : - بضم زاي - ; أي: سكة خيبر; أي: السكة التي قبيلها.

* " لتمس فخذي نبي الله صلى الله عليه وسلم " : هكذا في نسخ " المسند " بلفظ تثنية الفخذ، والوجه الإفراد كما في " الصحيح " ، ولعل وجه التثنية أنه بتقدير المضاف; أي: لتمس إحدى فخذي نبي الله صلى الله عليه وسلم، وفائدته بيان أنه لم يدر أي الفخذين كان.

* " وانحسر " : أي: انكشف من غير اختيار بسبب ضيق الزقاق وزحام الناس مع إجراء المراكب، فلا دلالة فيه على أن الفخذ ليس بعورة.

* " خربت خيبر " : قيل: هو دعاء بمنزلة: أسأل الله خرابها على أهلها، وفتحها على المسلمين، وقيل: إخبار بذلك.

* " محمد " : تقديره هذا محمد.

* " والخميس " : هو - بخاء معجمة مرفوع - : عطف على محمد، وهو الجيش، سمي بذلك؟ لكونه يكون على خمسة أقسام: مقدمة، وساقة، وميمنة، وميسرة، وقلب، وقيل: لتخميس الغنائم، ويرد بأنه اسم جاهلي، ولم يكن هناك تخميس.

* " عنوة " : - بفتح العين - ; أي: قهرا لا صلحا، هذا هو المشهور في تفسيره، لكن التحقيق أن المراد: أخذنا القرية حال كونها ذليلة، ولازم ذلك قهر

[ ص: 89 ] الغانمين، فالتفسير المشهور تفسير باللازم، وإلا فالعنوة: مصدر عنت الوجوه للحي القيوم; أي: ذلت وخضعت.

* " فجمع " : على بناء المفعول.

* " السبي " : ما أخذ من العبيد والإماء.

* " دحية " : - بكسر الدال وفتحها - .

* " فخذ جارية " : قيل: أذن له في أخذ الجارية قبل القسمة; لأن له صلى الله عليه وسلم صفي المغنم يعطيه من يشاء، أو تنفيلا له من أصل الغنيمة، أو من خمس الخمس بعد أن تميز، أو أعطاه ليحسب عليه من سهمه عند القسمة.

* " حيي " : - بضم الحاء أو كسرها وفتح المثناة - .

* " أعطيت دحية. . . إلخ " : كأنه ظهر له من ذلك عدم رضا الناس باختصاص دحية بمثلها، فخاف الفتنة عليهم، فكره ذلك.

قال المازري: يحتمل أن يكون دحية رد الجارية برضاه، أو أنه إنما أذن له في جارية من حشو السبي، لا أفضلهن، فلما أن رأى أخذ أشرفهن، استرجعها; لأنه لم يأذن له فيها.

* " فأهدتها " : أي: زفتها.

* " عروسا " : هو يطلق على الزوج والزوجة.

* " نطعا " : - بكسر ففتح - هو المشهور.

* " بالأقط " : - بفتح فكسر - : لبن يابس متحجر.

* " فحاسوا حيسا " : أي: خلطوا بين الكل، وجعلوه طعاما واحدا.

* * *




الخدمات العلمية