الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
11743 5324 - (12153) - (3\116) عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيلهمون ذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا، فأراحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك يريحنا من

[ ص: 150 ] مكاننا هذا. فيقول لهم آدم: لست هناكم، ويذكر ذنبه الذي أصاب، فيستحيي ربه، ويقول: ولكن أتوا نوحا; فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتون نوحا، فيقول: لست هناكم، ويذكر لهم خطيئته: سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحيي ربه من ذلك، ولكن أتوا إبراهيم خليل الرحمن، فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ولكن أتوا موسى، عبدا كلمه الله، وأعطاه التوراة.

فيأتون موسى، فيقول: لست هناكم، ويذكر لهم النفس التي قتل بغير نفس، فيستحيي ربه من ذلك، ولكن أتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم، ولكن أتوا محمدا، عبدا كفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني " .

قال الحسن هذا الحرف: " فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين " .

قال أنس: " حتى أستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيت ربي، وقعت - أو خررت - ساجدا لربي، فيدعني ما شاء الله أن يدعني " . قال: " ثم يقال: ارفع محمد! قل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه الثانية، فإذا رأيت ربي، وقعت - أو خررت - ساجدا لربي. فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد، قل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه الثالثة، فإذا رأيت ربي، وقعت - أو خررت - ساجدا لربي، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة فأقول: يا رب! ما بقي إلا من حبسه القرآن " .

فحدثنا أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فيخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله

[ ص: 151 ] إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة " .


التالي السابق


* قوله : " فيلهمون " : من الإلهام على بناء المفعول.

* " ذلك " : إشارة إلى الكلام الآتي.

* " بعثه الله " : أي: لدعوة أهل الشرك إلى التوحيد، فلا إشكال برسالة آدم.

* " عبدا غفر الله له " : كأنه لبيان أنه لا مانع له من ذلك; فإنه على تقدير فرض ذنب منه، قد غفر له.

* " بين سماطين " : - بكسر السين - ; أي: بين صفين من الناس.

* " فيحد لي حدا " : كأن يقال: أدخل الجنة من عمل كذا وكذا.

* " فيخرج " : من الخروج، أو الإخراج على بناء المفعول.

* " من الخير " : قيل: أي: من التصديق والمعرفة، ففيه أن التصديق يزيد وينقص، وقيل: من العمل، ونسب إلى القلب; لأن قبول العمل بالنية التي هي من أعمال القلب.

* " ما يزن شعيرة " : أي: لو فرض أن الإيمان أو العمل مما يقبل الوزن، أو هو مبني على أن المعاني تتصور بصور وأشكال يومئذ، فتقبل الوزن.

* " برة " : - بضم وتشديد راء - ، وهي أصغر جرما من الشعيرة.

* " ذرة " : - بفتح وتشديد راء - ، قيل: هي النملة الصغيرة، وقيل: ما يظهر في شعاع الشمس مثل رؤوس الإبر، وقد سبق مرارا ما يتعلق بهذا الحديث.

* * *




الخدمات العلمية