الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
12197 5594 - (12608) - (3\157 - 158) عن أنس بن مالك، قال: فتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رئيت - أو رأيت - ، فصف الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد. قال: فجعلت خيولنا تلوذ خلف ظهورنا، قال: فلم نلبث أن انكشفت خيلنا، وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس.

قال: فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا للمهاجرين، يا للمهاجرين! " ثم قال: " يا للأنصار، يا للأنصار! " . قال أنس: هذا حديث عمية. قال: قلنا: لبيك يا رسول الله. قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وايم الله! ما أتيناهم حتى هزمهم الله، قال: فقبضنا ذلك المال.

قال: ثم انطلقنا إلى الطائف، فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة، قال: فنزلنا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المئة، ويعطي الرجل المئة، [ ص: 305 ] قال: فتحدثت الأنصار بينها: أما من قاتله، فيعطيه، وأما من لم يقاتله، فلا يعطيه! قال: فرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمر بسراة المهاجرين والأنصار أن يدخلوا عليه، ثم قال: " لا يدخل علي إلا أنصاري - أو الأنصار " . قال: فدخلنا القبة حتى ملأنا القبة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الأنصار! - أو كما قال - ما حديث أتاني؟ " ، قالوا: ما أتاك يا رسول الله؟ قال: " ما حديث أتاني؟ " ، قالوا: ما أتاك يا رسول الله؟ قال: " ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون برسول الله، حتى تدخلوا بيوتكم؟ " ، قالوا: رضينا يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " : " لو أخذ الناس شعبا، وأخذت الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار " . قالوا: رضينا يا رسول الله. قال: " فارضوا " ، أو كما قال.


التالي السابق


* قوله : " بأحسن صفوف رأيت، أو رأيت " : أحدهما على لفظ التكلم، والآخر على لفظ الخطاب.

* " فصف الخيل " : على بناء المفعول.

* " ثم صفت النعم " : أي: غير الغنم; كالإبل.

* " ونحن بشر. . . إلخ " : يحتمل أن المراد نحن أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، لا المسلمون مطلقا، فلا ينافي ما جاء أنهم كانوا عشرة آلاف; إذ يمكن أن يكون البقية أهل البادية، وهذا مثل قولهم في التوفيق بين رواية أنهم كانوا عشرة آلاف، أو اثني عشر، أنهم مع أهل مكة كانوا اثني عشر، وبدونهم عشرة.

وقال القاضي: قوله: " ستة آلاف " وهم من الراوي، والله تعالى أعلم.

[ ص: 306 ] * " مجنبة خيلنا " : المجنبة - بضم ميم وفتح جيم وكسر نون مشددة - : هي طائفة من العسكر تأخذ جانب الطريق.

* " تلوذ " : ترجع.

* " يال المهاجرين! " : قال النووي: هكذا في النسخ - بلام مفتوحة مفصولة، والمعروف وصلها بلام التعريف التي بعدها - ; أي: لأنها لام الاستغاثة.

* " حديث عمية " : - بكسر عين أو ضمها وكسر ميم مشددة وتشديد ياء - هو المشهور; أي: حديث شدة، أو - بفتح عين وكسر ميم مشددة وتخفيف ياء، والهاء للسكت - بمعنى: حديث عمي; أي: هو حدثني به، وقيل: يحتمل أن المراد بالعم الجماعة; فإنه جاء بهذا المعنى أيضا; أي: حديث جماعتي، ومنهم من شدد الياء في هذا الوجه، وفسره بالأعمام، فكأنه لم يضبط هذا الموضع لتفرق الناس، فحدثه به عن غيره من أعمامه أو جماعته.

* " فقبضنا " : أي: جمعنا.

* " إلى مكة " : أي: قربها، أو محل القسمة كان خارج مكة.

* " أما من قاتله " : أي: حاربه من أهل مكة وأمثاله; بخلاف الأنصار; فإنهم آمنوا بلا محاربة.

* " بسراة " : - بفتح السين - ; أي: برؤسائهم.

* " قالوا: ما أتاك " : أي: هو الذي أتاك، أو هو تفويض إليه; أي: أي شيء أتاك؟




الخدمات العلمية