الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) ومن سلك بحرا أو برا من غير وجه المواقيت أهل بالحج إذا حاذى المواقيت متأخيا وأحب إلي أن يحتاط فيحرم من وراء ذلك ، فإن علم أنه أهل بعدما جاوز المواقيت كان كمن جاوزها فرجع أو أهراق دما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : من سلك بحرا أو برا من غير جهة المواقيت أحرم إذا حاذى المواقيت .

( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ ومن سلك كداء من أهل نجد والسراة أهل بالحج من قرن ، وذلك قبل أن يأتي ثنية كدى وذلك أرفع من قرن في نجد وأعلى وادي قرن وجماع ذلك ما قال عطاء أن يهل من جاء من غير جهة المواقيت ، إذا حاذى المواقيت وحديث طاوس في المواقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم أوضحها معنى وأشدها غنى عما دونه ، وذلك أنه أتى على المواقيت ثم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم { هن لأهلهن ولكل آت عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجا أو عمرة } وكان بينا فيه أن عراقيا أو شاميا لو مر بالمدينة يريد حجا أو عمرة كان ميقاته ذا الحليفة وإن مدنيا لو جاء من اليمن كان ميقاته يلملم وأن قوله يهل أهل المدينة من ذي الحليفة إنما هو لأنهم يخرجون من بلادهم ويكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به وقوله وأهل الشام من الجحفة لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم إلا أن يعرجوا إليها وكذلك قوله في أهل نجد واليمن لأن كل واحد منهم خارج من بلده وكذلك أول ميقات يمرون به وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن ، [ ص: 153 ] فلما كانت طريقهم لم يكلفوا أن يأتوا يلملم وإنما ميقات يلملم لأهل غور اليمن تهمها ممن هي طريقهم .

( قال الشافعي ) ولا يجوز في الحديث غير ما قلت والله أعلم وذلك أنه لو كان على أهل المدينة أين كانوا فأرادوا الحج أن يهلوا من ذي الحليفة رجعوا من اليمن إلى ذي الحليفة ورجع أهل اليمن من المدينة إن أرادوا منها الحج إلى يلملم ، ولكن معناه ما قلت والله أعلم وهو موجود في الحديث معقول فيه ومعقول في الحديث في قوله " ولكل آت أتى عليها " ما وصفت وقوله " ممن أراد حجا أو عمرة " أنهن مواقيت لمن أتى عليهم يريد حجا أو عمرة ، فمن أتى عليهن لا يريد حجا ولا عمرة فجاوز الميقات ثم بدا له أن يحج أو يعتمر أهل بالحج من حيث يبدو له وكان ذلك ميقاته كما يكون ميقات أهله الذين أنشئوا منه يريدون الحج أو العمرة حين أنشئوا منه ، وهذا معنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ممن أراد حجا أو عمرة لأن هذا جاوز الميقات لا يريد حجا ولا عمرة ومعنى قوله { ولكل آت أتى عليهن ممن أراد حجا أو عمرة } فهذه إنما أراد الحج أو العمرة بعدما جاوز المواقيت فأراد وهو ممن دون المواقيت المنصوبة وأراده وهو داخل في جملة المواقيت لقول النبي صلى الله عليه وسلم { ومن كان أهله دون المواقيت فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة } فهذا جملة المواقيت ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من الفرع .

( قال الشافعي ) وهذا عندنا والله أعلم أنه مر بميقاته لم يرد حجا ولا عمرة ثم بدا له من الفرع فأهل منه أو جاء الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له الإهلال فأهل منها ولم يرجع إلى ذي الحليفة وهو روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت ، فلو أن بعض أهل المدينة أتى الطائف لحاجته عامدا لا يريد حجا ولا عمرة ثم خرج منها كذلك لا يريد حجا ولا عمرة حتى قارب الحرم ثم بدا له أن يهل بالحج أو العمرة أهل من موضعه ذلك ولم يرجع ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال : إذا مر المكي بميقات أهل مصر فلا يجاوزه إلا محرما ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال طاوس : فإن مر المكي على المواقيت يريد مكة فلا يخلفها حتى يعتمر

التالي السابق


الخدمات العلمية