الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى لما كانت الجمعة واجبة واحتملت أن تكون تجب على كل مصل بلا وقت عدد مصلين وأين كان المصلي من منزل مقام وظعن فلم نعلم خلافا في أن لا جمعة عليه إلا في دار مقام ولم أحفظ أن الجمعة تجب على أقل من أربعين رجلا وقد قال : غيرنا لا تجب إلا على أهل مصر جامع ( قال : الشافعي ) : وسمعت عددا من أصحابنا يقولون تجب الجمعة على أهل دار مقام إذا كانوا أربعين رجلا وكانوا أهل قرية فقلنا به وكان أقل ما علمناه قيل به ولم يجز عندي أن أدع القول به وليس خبر لازم يخالفه وقد يروى من حيث لا يثبت أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع حين قدم المدينة بأربعين رجلا وروي أنه كتب إلى أهل قرى عرينة أن يصلوا الجمعة والعيدين .

وروي أنه أمر عمرو بن حزم أن يصلي العيدين بأهل نجران ( قال الشافعي ) : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : أخبرنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كل قرية فيها أربعون رجلا فعليهم الجمعة قال : قال الشافعي أخبرنا الثقة عن سليمان بن موسى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المياه فيما بين الشام إلى مكة جمعوا إذا بلغتم أربعين رجلا ( قال الشافعي ) : فإذا كان من أهل القرية أربعون رجلا والقرية البناء والحجارة واللبن والسقف والجرائد والشجر ; لأن هذا بناء كله وتكون بيوتها مجتمعة ويكون أهلها لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا إلا ظعن حاجة مثل ظعن أهل القرى وتكون بيوتها مجتمعة اجتماع بيوت القرى ، فإن لم تكن مجتمعة فليسوا أهل قرية ولا يجمعون ويتمون إذا كانوا أربعين رجلا حرا بالغا فإذا كانوا هكذا رأيت - والله تعالى أعلم - أن عليهم الجمعة فإذا صلوا الجمعة أجزأتهم .

( قال الشافعي ) : وإذا بلغوا هذا العدد ولم يحضروا الجمعة كلهم رأيت أن يصلوها ظهرا وإن كانوا هذا العدد ، أو أكثر منه في غير قرية كما وصفت لم يجمعوا وإن كانوا في مدينة عظيمة فيها مشركون من غير أهل الإسلام ، أو من عبيد أهل الإسلام ونسائهم ولم يبلغ الأحرار المسلمون البالغون فيها أربعين رجلا لم يكن عليهم أن يجمعوا ولو كثر المسلمون مارين بها وأهلها لا يبلغون أربعين رجلا لم يكن عليهم أن [ ص: 220 ] يجمعوا ( قال الشافعي ) : ولو كانت قرية فيها هذا العدد ، أو أكثر منه ، ثم مات بعضهم ، أو غابوا ، أو انتقل منهم حتى لا يبقى فيها أربعون رجلا لم يكن لهم أن يجمعوا ولو كثر من يمر بها من المسلمين مسافرا ، أو تاجرا غير ساكن لم يجمع فيها إذا لم يكن أهلها أربعين .

( قال الشافعي ) : وإن كانت قرية كما وصفت فتهدمت منازلها ، أو تهدم من منازلها وبقي في الباقي منها أربعون رجلا فإن كان أهلها لازمين لها ليصلحوها جمعوا كانوا في مظال ، أو غير مظال ( قال الشافعي ) : وإذا كان أهلها أربعين ، أو أكثر فمرض عامتهم حتى لم يواف المسجد منهم يوم الجمعة أربعون رجلا حرا بالغا صلوا الظهر ، ( قال الشافعي ) : ولو كثر أهل المسجد من قوم مارين ، أو تجار لا يسكنونها لم يكن لهم أن يجمعوا إذا لم يكن معهم من أهل البلد المقيمين به أربعون رجلا حرا بالغا ( قال : الشافعي ) : ولو كان أهلها أربعين رجلا حرا بالغا وأكثر ومنهم مغلوب على عقله وليس من بقي منهم أربعين رجلا صحيحا بالغا يشهدون الجمعة كلهم لم يجمعوا وإذا كان أهل القرية أربعين فصاعدا فخطبهم الإمام يوم الجمعة فانفض عنه بعضهم قبل تكبيرة الصلاة حتى لا يبقى معه أربعون رجلا فإن ثابوا قبل أن يكبر حتى يكونوا أربعين رجلا صلى بهم الجمعة وإن لم يكونوا أربعين رجلا حتى يكبر لم يصل بهم الجمعة وصلوها ظهرا أربعا .

( قال الشافعي ) : ولو انفضوا عنه فانتظرهم بعد الخطبة حتى يعودوا أحببت له أن يعيد خطبة أخرى إن كان في الوقت مهلة ثم يصليها جمعة ، فإن لم يفعل صلاها ظهرا أربعا ولا يجوز أن يكون بين الخطبة والصلاة فصل يتباعد ( قال الشافعي ) : وإن خطب بهم وهم أقل من أربعين رجلا ، ثم ثاب الأربعون قبل أن يدخل في الصلاة صلاها ظهرا أربعا ولا أراها تجزئ عنه حتى يخطب بأربعين فيفتتح الصلاة بهم إذا كبر ( قال : الشافعي ) : ولا أحب في الأربعين إلا من وصفت عليه فرض الجمعة من رجل حر بالغ غير مغلوب على عقله مقيم لا مسافر ( قال الشافعي ) : فإن خطب بأربعين ، ثم كبر بهم ، ثم انفضوا من حوله ففيها قولان : أحدهما : إن بقي معه اثنان حتى تكون صلاته صلاة جماعة تامة فصلى الجمعة أجزأته ; لأنه دخل فيها وهي مجزئة عنهم ولو صلاها ظهرا أربعا أجزأته ، والقول الآخر : أنها لا تجزئه بحال حتى يكون معه أربعون حين يدخل ويكمل الصلاة ولكن لو لم يبق منهم إلا عبدان ، أو عبد وحر ، أو مسافران ، أو مسافر ومقيم صلاها ظهرا ( قال : الشافعي ) : وإن بقي معه منهم بعد تكبيره اثنان ، أو أكثر فصلاها جمعة ، ثم بان له أن الاثنين ، أو أحدهما مسافر ، أو عبد ، أو امرأة أعادها ظهرا أربعا .

( قال الشافعي ) : ولم يجزئه جمعة في واحد من القولين حتى يكمل معه الصلاة اثنان ممن عليه جمعة فإن صلى وليس وراءه اثنان فصاعدا ممن عليه فرض الجمعة كانت عليهم ظهرا أربعا ، ( قال الشافعي ) : ولو أحدث الإمام قبل أن يكبر فقدم رجلا ممن حضر الخطبة وخلفه أقل من أربعين رجلا صلوها ظهرا أربعا لا يجزئهم ولا الإمام المحدث إلا ذلك من قبل أن إمامته زالت وابتدلت بإمامة رجل لو كان الإمام مبتدئا في حاله تلك لم يجزئه أن يصليها إلا ظهرا أربعا ( قال الشافعي ) : وإذا افتتح الإمام جمعة ثم أمرته أن يجعلها ظهرا أجزأه ما صلى منها وهو ينوي الجمعة ; لأن الجمعة هي الظهر يوم الجمعة إلا أنه كان له قصرها فلما حدث حال ليس له فيها قصرها أتمها كما يبتدئ المسافر ركعتين ، ثم ينوي المقام قبل أن يكمل الركعتين فيتم الصلاة أربعا ولا يستأنفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية