الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وهاهنا أربع مسائل ( المسألة الأولى ) . قال الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتابه الملخص : السحر والعين لا يكونان من فاضل ، ولا يقعان ولا يصحان منه أبدا ؛ لأن من شرط السحر الجزم بصدور الأثر وكذلك أكثر الأعمال من شرطها الجزم والفاضل المتبحر في العلوم يرى وقوع ذلك من الممكنات التي يجوز أن توجد وأن لا توجد فلا يصح له عمل أصلا ، وأما العين فلا بد فيها من فرط التعظيم للمرئي والنفوس الفاضلة لا تصل في تعظيم ما تراه إلى هذه الغاية فلذلك لا يصح السحر إلا من العجائز والتركمان أو السودان ونحو ذلك من النفوس الجاهلة .

( المسألة الثانية ) السحر له حقيقة وقد يموت المسحور أو يتغير طبعه وعادته ، وإن لم يباشره وقال به الشافعي وابن حنبل وقالت الحنفية إن وصل إلى بدنه كالدخان ونحوه جاز أن يؤثر ، وإلا [ ص: 150 ] فلا ، وقالت القدرية لا حقيقة للسحر ، لنا الكتاب والسنة والإجماع .

أما الكتاب فقوله تعالى { يعلمون الناس السحر } ، وما لا حقيقة له لا يعلم ، ولا يلزم صدور الكفر عن الملائكة ؛ لأنه قرء الملكين بكسر اللام أو هما ملكان وأذن لهما في تعليم الناس السحر للفرق بين المعجزة والسحر ؛ لأن مصلحة الخلق في ذلك الوقت كانت تقتضي ذلك ثم صعدا إلى السماء وقولهما فلا تكفر أي لا تستعمله على وجه الكفر كما يقال خذ المال ، ولا تفسق به أو يكون معنى قوله عز وجل { يعلمون الناس السحر } أي ما يصلح للأمرين وفي الصحيحين { أنه صلى الله عليه وسلم سحر فكان يخيل إليه أنه يأتي النساء ، ولا يأتيهن } الحديث وقد سحرت عائشة رضي الله عنها جارية اشترتها وكان السحر وخبره معلوما للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكانوا مجمعين عليه قبل ظهور القدرية ؛ ولأن الله عز وجل قادر على خلق ما يشاء عقيب كلام مخصوص أو أدوية مخصوصة ، احتجوا بقوله تعالى { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } فهو تخيل لا حقيقة له ؛ ولأنه لو كانت له حقيقة لأمكن الساحر أن يدعي به النبوة فإنه يأتي بالخوارق على اختلافها .

والجواب عن الأول أنه حجة لنا ؛ لأنه تعالى أثبت السحر ، وإنما لم ينهض بالخيال إلى السعي ونحن لا ندعي أن كل سحر ينهض إلى كل المقاصد ، وعن الثاني أن إضلال الله تعالى للخلق ممكن لكن الله تعالى أجرى عادته بضبط مصالحهم فما يسر ذلك على الساحر وكم من ممكن يمنعه الله عز وجل من [ ص: 151 ] الدخول في العلم لأنواع من الحكم مع أنا سنبين بعد هذه المسألة إن شاء الله تعالى الفرق بين السحر والمعجزات من وجوه فلا يحصل اللبس والضلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية