الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 161 ] ( الفرق السادس والعشرون بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع ) وهذا الفرق أيضا عظيم القدر جليل الخطر وبتحقيقه تنفرج أمور عظيمة من الإشكالات وترد إشكالات عظيمة أيضا في بعض الفروع وسأبين لك ذلك في هذا الفرق إن شاء الله تعالى وتحرير القاعدتين أن nindex.php?page=treesubj&link=27824خطاب التكليف في اصطلاح العلماء هو الأحكام الخمسة الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة مع أن أصل هذه اللفظة أن لا تطلق إلا على التحريم والوجوب لأنها مشتقة من الكلفة ، والكلفة لم توجد إلا فيهما لأجل الحمل على الفعل أو الترك خوف العقاب وأما ما عداهما فالمكلف في سعة لعدم المؤاخذة فلا كلفة حينئذ غير أن جماعة يتوسعون في إطلاق اللفظ على الجميع تغليبا للبعض على البعض فهذا خطاب التكليف وأما nindex.php?page=treesubj&link=20589خطاب الوضع فهو خطاب بنصب الأسباب كالزوال ورؤية الهلاك ونصب الشروط كالحول في الزكاة والطهارة في الصلاة ونصب الموانع كالحيض مانع من الصلاة والقتل مانع من الميراث ونصب التقادير الشرعية وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم ، أو المعدوم حكم الموجود كما نقدر رفع الإباحة بالرد بالعيب بعد ثبوتها قبل الرد . ونقول : ارتفع العقد من أصله لا من حينه على أحد القولين للعلماء ونقدر النجاسة في حكم العدم في صور الضرورات كدم البراغيث وموضع الحدث في المخرجين ونقدر وجود الملك لمن قال لغيره أعتق عبدك عني لتثبت له الكفارة والولاء مع أنه لا ملك له ونقدر الملك في دية المقتول خطأ قبل موته حتى يصح فيه الإرث فهاتان من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود والأوليان من باب إعطاء الموجود حكم المعدوم وهو كثير في الشريعة ولا يكاد باب من أبواب الفقه ينفك عن التقدير وقد بسطت ذلك في كتاب الأمنية في إدراك النية حيث تكلمت فيها على رفض النية ورفعها بعد وقوعها مع أن رفع الواقع محال عقلا والشرع لا يرد بخلاف العقل وحررت التقادير في هذه المباحث هنالك
فهذا هو تصوير خطاب التكليف وخطاب الوضع .
واعلم أنه nindex.php?page=treesubj&link=20746_20713_20715يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته على ذلك الفعل وكونه من كسبه بخلاف خطاب الوضع لا يشترط ذلك فيه فلذلك نورث بالإنساب من لا يعلم نسبه ويدخل العبد الموروث في ملكه ويعتق عليه إن كان ممن يعتق عليه مع غفلته عن ذلك وعجزه عن دفعه ويطلق بالإضرار [ ص: 162 ] والإعسار اللذين هما معجوز عنهما ويضمن بالإتلاف المغفول عنه من الصبيان والمجانين فإن nindex.php?page=treesubj&link=20589معنى خطاب الوضع قول صاحب الشرع اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا أو حرم كذا أو ندب أو غير ذلك هذا في السبب أو يقول عدم كذا في وجود المانع أو عند عدم الشرط .
واستثنى صاحب الشرع من عدم اشتراط العلم والقدرة في خطاب الوضع قاعدتين
القاعدة الأولى nindex.php?page=treesubj&link=20746_20715_20745_9138_27177_10355_10351_10375الأسباب التي هي أسباب للعقوبات وهي جنايات كالقتل الموجب للقصاص يشترط فيه القدرة والعلم والقصد فلذلك لا قصاص في قتل الخطأ والزاني أيضا ولذلك لا يجب الحد على المكره ولا على من لا يعلم أن الموطوءة أجنبية بل إذا اعتقد أنها امرأته سقط الحد لعدم العلم وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=10085_27987من شرب خمرا يعتقدها خلا لا حد عليه لعدم العلم وكذلك جميع الأسباب التي هي جنايات وأسباب للعقوبات يشترط فيها العلم والقصد والقدرة والسر في استثناء هذه القاعدة من خطاب الوضع أن رحمة صاحب الشرع تأبى عقوبة من لم يقصد الفساد ولا يسعى فيه بإرادته وقدرته بل قلبه مشتمل على العفة والطاعة والإنابة فمثل هذا لا يعاقبه صاحب الشرع رحمة ولطفا .
القاعدة الثانية التي استثنيت من خطاب الوضع فاشترط فيها العلم والقدرة قاعدة nindex.php?page=treesubj&link=20715_20746_27629أسباب انتقال الأملاك كالبيع والهبة والوصية والصدقة والوقف والإجارة والقراض والمساقاة والمغارسة والجعالة وغير ذلك مما هو سبب انتقال الأملاك nindex.php?page=treesubj&link=4423_27989فمن باع وهو لا يعلم أن هذا اللفظ أو هذا [ ص: 163 ] التصرف يوجب انتقال الملك لكونه عجميا أو طارئا على بلاد الإسلام لا يلزمه بيع وكذلك جميع ما ذكر معه وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=4598_20744من أكره على البيع فباع بغير اختياره وقدرته الناشئة عن داعيته الطبيعية لا يلزمه البيع وكذلك جميع ما ذكر معه وسر استثناء هذه القاعدة من قاعدة خطاب الوضع قوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=31477لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه } ولا يحصل الرضا إلا مع الشعور والإرادة والمكنة من التصرف فلذلك اشترط في هذه القاعدة العلم والإرادة والقدرة . إذا تقرر هذا تقرر شرط خطاب التكليف دون خطاب الوضع وظهر الفرق فأزيده بيانا بذكر ثلاث مسائل ( المسألة الأولى )
اعلم أن nindex.php?page=treesubj&link=20490_20588خطاب الوضع قد يجتمع مع خطاب التكليف وقد ينفرد كل واحد منهما بنفسه أما اجتماعهما فكالزنى فإنه حرام ومن هذا الوجه هو خطاب تكليف وسبب للحد ومن هذا الوجه هو خطاب وضع والسرقة من جهة أنها محرمة خطاب تكليف ومن جهة أنها سبب القطع خطاب وضع وكذلك بقية الجنايات محرمة وهي أسباب العقوبات والبيع مباح أو مندوب أو واجب أو حرام على قدر ما يعرض له في صوره على ما هو مبسوط في كتب الفقه فمن هذا الوجه هو خطاب تكليف ومن جهة أنه سبب انتقال الملك في البيع الجائز أو التقدير في الممنوع هو خطاب وضع وبقية العقود تتخرج على هذا المنوال وأما انفراد خطاب الوضع فكالزوال ورؤية الهلال ودوران الحول ونحوها فإنها من خطاب الوضع وليس فيها أمر ولا نهي ولا إذن من حيث هي كذلك بل إنما وجد الأمر في أثنائها وترتبها فقط وأما nindex.php?page=treesubj&link=20490_20588خطاب التكليف بدون خطاب الوضع فكأداء الواجبات واجتناب المحرمات كإيقاع الصلوات وترك المنكرات فهذه من [ ص: 164 ] خطاب التكليف ولم يجعلها صاحب الشرع سببا لفعل آخر نؤمر به أو ننهى عنه بل وقف الحال عند أدائها وترتبها على أسبابها وإن كان صاحب الشرع قد جعلها سببا لبراءة الذمة وترتيب الثواب ودرء العقاب غير أن هذه ليست أفعالا للمكلف ونحن لا نعني بكون الشيء سببا إلا كونه وضع سببا لفعل من قبل المكلف فهذا وجه اجتماعهما وافتراقهما . ( المسألة الثانية ) nindex.php?page=treesubj&link=20740_16763_16733الصبي إذا أفسد مالا لغيره وجب على وليه إخراج الجابر من مال الصبي فالإتلاف سبب للضمان وهو من خطاب الوضع فإذا بلغ الصبي ولم تكن القيمة أخذت من ماله وجب عليه إخراجها من ماله بعد بلوغه فقد تقدم السبب في زمن الصغر وتأخر أثره إلى بعد البلوغ ومقتضى هذا أن ينعقد بيعه ونكاحه وطلاقه فإنها أسباب من باب خطاب الوضع الذي لا يشترط فيه التكليف ولا العلم ولا الإرادة فينعقد من الصبيان العالمين الراضين بانتقال أملاكهم وتتأخر الأحكام إلى بعد البلوغ فيقضى حينئذ بالتحريم في الزوجة في الطلاق كما تأخر الضمان عليه ووجوب دفع القيمة إلى بعد البلوغ وكذلك يتأخر لزوم تسليم المبيع إلى بعد البلوغ وبقية الآثار كذلك قياسا على الضمان ولم أر أحد قال به
( والجواب ) بذكر الفرق بين الضمان وبين هذه الأمور من وجهين
( الوجه الأول ) أن هذه الأمور يشترط فيها الرضا لأنها وإن كانت من باب خطاب الوضع غير أنه قد تقدم استثناء قاعدة انتقال الأملاك من قاعدة خطاب الوضع وأنه يشترط فيها الرضا والطلاق فيه إسقاط عصمة فهو من باب ترك الأملاك وكذلك العتق أيضا هو إسقاط ملك فاشترط فيه الرضا ولما كان الصبي غير عالم بالمصالح لنقصان عقله وعدم معرفته بها جعل الشرع رضاه كعدمه والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا فهو غير راض وغير الراضي لا يلزمه طلاق ولا بيع فكذلك الصبي بخلاف قاعدة الإتلافات لا أثر للرضى فيها ألبتة فاعتبرت منه
( الوجه الثاني ) أن أثر الطلاق التحريم وهو ليس أهلا له وأثر البيع إلزام تسليم المبيع والصبي ليس أهلا للتكليف بالتحريم والإلزام فإن قيل فلم لا تتأخر هذه الأحكام إلى بعد البلوغ كما تأخر إلزام دفع القيمة قلت الفرق أن تأخر المسببات عن أسبابها على خلاف الأصل وإنما خالفنا هذا الأصل في الإتلاف لضرورة حق الآدمي في جبر ماله لئلا يذهب مجانا فتضيع الظلامة وهذه ضرورة عظيمة ولا ضرورة تدعونا لتقديم الطلاق وتأخير التحريم بل إذا أسقطنا الطلاق واستصحبنا العصمة لم يلزم فساد ولا تفوت ضرورة وكذلك إذا أبقينا [ ص: 165 ] الملك في المبيع للصبي كنا موافقين للأصل ولا يلزم محذور ألبتة أما لو أسقطنا إتلافه ولم نعتبره لضاع مال المجني عليه وتلف وتعين ضرره وهذا فرق كبير فتأمله . ( المسألة الثالثة ) nindex.php?page=treesubj&link=20500_23582_1334الطهارة والستارة واستقبال الكعبة في الصلاة فتاوى علمائنا متظافرة على أنها من الواجبات مع أن nindex.php?page=treesubj&link=20500_23582المكلف لو توضأ قبل الوقت واستتر واستقبل القبلة ثم جاء الوقت وهو على تلك الصورة وصلى من غير أن يجدد فعلا ألبتة في هذه الثلاثة أجزأته صلاته إجماعا وفعله قبل الوقت لا يوصف بالوجوب فإن الوجوب في هذه الأمور إنما يقع تبعا لطرءان السبب الذي هو الزوال ونحوه من أوقات الصلوات فقبل سبب الوجوب لا وجوب وإذا عدم الواجب في هذه الأفعال اتجه الإشكال من قاعدة أخرى وهي أن غير الواجب لا يجزئ عن الواجب وإن علم الواجب لا يخرج عن عهدته إلا بفعل يفعل لا بغير فعل ألبتة فهذا مخالف لقواعد الشرع [ ص: 166 ]
وعند توجه هذه الإشكالات اضطربت أجوبة الفقهاء واختلفت أفكارهم فقال القاضي أبو بكر بن العربي أقول الوضوء واجب وجوبا موسعا قبل الوقت وفي الوقت والواجب الموسع يجوز تقديمه وتأخيره ويقع على التقديرين واجبا فما أجزأ عن الواجب إلا واجب وهذا أحسن الأجوبة التي رأيتها وهو لا يصح بسبب أن الواجب الموسع في الشريعة إنما عهد بعد طرءان سبب الوجوب أما وجوب قبل سببه فلا يعقل في الشريعة لا مضيقا ولا موسعا وأوقات الصلوات نصبها صاحب الشرع أسبابا لوجوبها فلا تجب قبلها ولا تجب شرائطها ووسائلها قبل وجوبها فإن القاعدة الشرعية أن وجوب الوسائل تبع لوجوب المقاصد ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بعد وجوب الواجب الأصلي أما قبل وجوبه فهو غير معقول هذا ما على هذا الجواب وقال غيره هذه الأمور تقع غير واجبة وتجزئ عن الواجب بالإجماع فهي مستثناة بالإجماع فاندفع السؤال وهذا ليس بجيد فإن الاستثناء على خلاف الأصل ولا نسلم أن الإجماع [ ص: 167 ] منعقد على أنها مستثناة بل على أنها مجزئة .
أما الاستثناء فلا نسلمه وقال ثالث الموجود من الفعل بعد دخول الوقت في هذه الأمور هو الواجب وهو لا بد أن يستصحب ثوبه واستقباله وطهارته وملازمة الشيء واستصحابه فعل من المكلف فهذا هو الذي أجزأ عن الواجب وهذا أيضا غير جيد بسبب أنا نضيق الفرض في الثوب والقبلة ونفرضه قبل الوقت على تلك الهيئة بحيث لا يجدد شيئا بعد دخول الوقت حتى يحرم ولا نسلم أن دوام الثوب عليه فعل له ولا دوام الطهارة بدليل أنه لو nindex.php?page=treesubj&link=23582_26602_16535غفل عن كونه متطهرا ومستقبلا ولابسا وصلى صحت صلاته ومع الغفلة يمتنع الفعل لأن من شرط الفعل الشعور ولا شعور فلا فعل وهذا التضييق يحسم مادة هذا الجواب فإن قلت فلم حنثته بدوام لبس الثوب إذا حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه أو لا يدخل دارا وهو فيها على أحد القولين مع أنه ليس معه إلا الاستصحاب فدل ذلك على أنه فعل وإذا كان فعلا هناك كان فعلا هنا قلت الإيمان يكفي فيها شهادة العرف كان فيها فعل أم لا فقد نحنثه بغير فعله بل بفعل غيره كقوله إن قدم زيد أو طار الغراب أو بغير ذلك من الأفعال أو بغير فعل ألبتة كقوله إن كان المستحيل مستحيلا فامرأته طالق طلقت عليه امرأته مع أن المستحيل لا فعل له فيه ألبتة بخلاف ما نحن فيه فإنه باب تكليف وإيجاب والتكليف لا بد فيه [ ص: 168 ] من الفعل فاندفع السؤال والجواب الصحيح عندي أن هذه الأمور الثلاثة الطهارة والستارة والاستقبال شروط فهي من باب خطاب الوضع وخطاب الوضع لا يشترط فيه فعل المكلف ولا علمه ولا إرادته .
فإن دخل الوقت وهو غير متطهر ولا لابس ولا مستقبل توجه التكليف عليه بهذه الأمور وتحصيلها فاجتمع فيها حينئذ خطاب الوضع وخطاب التكليف وإن دخل الوقت وهو متطهر لابس مستقبل اندفع خطاب التكليف وبقي خطاب الوضع خاصة فأجزأته الصلاة لوجود شروطها وليس من شرط خطاب الوضع أن يجتمع معه خطاب التكليف ولا يحتاج إلى شيء من تلك التعسفات بل نخرجه على قاعدة خطاب الوضع ولا يلزم منه مخالفة قاعدة ألبتة [ ص: 169 ] غايته أن يلزم منه أن يجب الوضوء في حالة دون حالة وهذا لا منكر فيه فإن شأن الشريعة تخصيص الوجوب ببعض الحالات وبعض الأزمنة وبعض الأشخاص وهذا هو الأصل لا إنه مخالف للأصل وإنما صعب على طالب العلم هذا من جهة أنه يسمع طول عمره أن الطهارة واجبة في الصلاة مطلقا ولم يسمع في ذلك تفصيلا فصعب عليه التفصيل وكم من تفصيل قد سكت عنه الدهر الطويل وأجراه الله تعالى على قلب من شاء من عباده في جميع العلوم العقليات والنقليات ومن اشتغل بالعلوم وكثر تحصيله لها اطلع على شيء كثير من ذلك فهذا هو تحرير هذا الموضع عندي وهو من المشكلات التي يقبل تحريرها والجواب عنها من الفضلاء .
[ ص: 161 ] قال ( nindex.php?page=treesubj&link=27824_20589الفرق السادس والعشرون بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع إلى قوله فهذا هو تصوير خطاب التكليف وخطاب الوضع ) قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله ونقدر وجود الملك لمن قال لغيره أعتق عبدك عني لتثبت له الكفارة والولاء مع أنه لا ملك له ونقدر الملك في دية المقتول خطأ قبل موته حتى يصح فيها الإرث فإنه ليس بصحيح وقد سبق التنبيه على ذلك قبل هذا . قال ( واعلم أنه nindex.php?page=treesubj&link=20713_20715_20746يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته إلى قوله [ ص: 162 ] في وجود المانع أو عند عدم الشرط ) قلت ما قاله في ذلك صحيح . قال ( واستثنى صاحب الشرع من nindex.php?page=treesubj&link=20746_20715_20713_10427_10355_10374_10085عدم اشتراط العلم والقدرة في خطاب الوضع قاعدتين في الشريعة القاعدة الأولى الأسباب التي هي أسباب للعقوبات وهي جناية كالقتل للقصاص يشترط فيه القدرة والعلم والقصد فلذلك لا قصاص في قتل الخطأ والزنى أيضا ولذلك لا يجب الحد على المكره ولا على من لا يعلم أن الموطوءة أجنبية بل إذا اعتقد أنها امرأته سقط الحد لعدم العلم وكذلك من شرب خمرا يعتقدها خلا لا حد عليه لعدم العلم وكذلك جميع الأسباب التي هي جنايات وأسباب للعقوبات يشترط فيها العلم والقصد والقدرة والسر في استثناء هذه القاعدة من خطاب الوضع أن رحمة صاحب الشرع تأبى عقوبة من لم يقصد الفساد ولا يسعى بإرادته وقدرته بل قلبه مشتمل على العفة والطاعة والإنابة فمثل هذا لا يعاقبه صاحب الشرع رحمة ولطفا ) .
قلت ليس ذلك باستثناء من خطاب الوضع ولكنه ازدوج في هذه الأمور خطاب التكليف والوضع فلحقها اشتراط العقل وما معه من جهة خطاب التكليف لا من جهة خطاب الوضع فإنه يرتفع التكليف مع عدم تلك الأوصاف فيرتفع خطاب الوضع المرتب عليه والله أعلم .
قال ( nindex.php?page=treesubj&link=20715_20746القاعدة الثانية التي استثنيت من خطاب الوضع فاشترط فيها العلم والقدرة قاعدة أسباب انتقال الأملاك إلى آخر القاعدة ) قلت وهذه القاعدة أيضا ليست بمستثناة من خطاب الوضع ولكن ازدوج فيها الخطابان أما خطاب الوضع فظاهر وأما [ ص: 163 ] خطاب التكليف فمن جهة إباحة تلك التصرفات لكنها لم تبح تلك التصرفات إلا مع العلم والاختيار والرشد فإذا وقعت عارية غير مصاحبة لتلك الأوصاف المشترطة في إباحة التصرف لم تترتب عليها مسبباتها من وجوه انتقال الأملاك والذي يوضح ذلك أن اشتراط العلم وما معه في خطاب التكليف مناسب ومطرد واشتراط ذلك في خطاب الوضع غير مناسب ولا مطرد أما مناسبة الاشتراط في خطاب التكليف فإنه يتعذر حصول المكلف به من المكلف مع عدم تلك الشروط فلا تقوم عليه الحجة عند ذلك وأما اطراده فمتفق عليه وأما عدم مناسبة الاشتراط في خطاب الوضع فإنه ليس معناه إلا أن الشارع ربط هذا الحكم بهذا الأمر أو بعدمه وذلك لا يستلزم تعذرا من المكلف من حيث إنه ليس بلازم أن يكون من فعله ولا من كسبه وأما عدم اطراده فواضح كما في زوال الشمس مثلا وفي كل سبب ليس من فعل المكلف .
قال ( إذا تقرر هذا تقرر شرط خطاب التكليف دون خطاب الوضع وظهر الفرق فأزيده بيانا بذكر مسائل المسألة الأولى اعلم أن nindex.php?page=treesubj&link=20490_20588خطاب الوضع قد يجتمع مع خطاب التكليف وقد ينفرد كل واحد منهما بنفسه إلى آخر المسألة ) قلت ما قاله فيها صحيح والله أعلم . [ ص: 164 ] قال ( المسألة الثانية nindex.php?page=treesubj&link=20740_16763_16733الصبي إذا أفسد مالا لغيره وجب على وليه إخراج الجابر من مال الصبي إلخ ) قلت ما قاله فيها صحيح غير قوله قد تقدم استثناء قاعدة انتقال الأملاك من قاعدة خطاب الوضع فإنه قد سبق التنبيه على ما فيه وإنما لم تصح تلك الأمور من الصبي لأنه يشترط فيها اعتبار المصالح والصبي ليس بأهل لذلك والله أعلم .
[ ص: 165 ] قال ( المسألة الثالثة الطهارة والستارة واستقبال القبلة والفتاوى متظافرة على أنها من الواجبات مع أن المكلف لو توضأ قبل الوقت واستتر واستقبل القبلة ثم جاء الوقت وهو على تلك الصورة صلى من غير أن يجدد فعلا ألبتة في هذه الثلاثة أجزأته صلاته إجماعا وفعله قبل الوقت لا يوصف بالوجوب إلى قوله فهذا مخالف لقواعد الشرع )
قلت قوله وفعله قبل الوقت لا يوصف بالوجوب ممنوع بل يوصف بالوجوب عند من يقول إنه من الواجب الموسع وقوله فلأن الوجوب في هذه الأمور إنما يقلع تبعا لطريان السبب الذي هو الزوال ونحوه من أوقات الصلاة لقائل أن يقول ليس الوجوب في هذه الأمور تبعا لطريان تلك الأسباب بل يقع تبعا لطريان العزم على التهيؤ والاستعداد لإيقاع الصلاة ووقت طريان هذا العزم ما بين أقرب حدث يحدثه المرء وإيقاع الصلاة ودليل صحة ذلك الإجماع على إجزاء nindex.php?page=treesubj&link=20500_23582الطهارة الموقعة قبل الوقت مع تعذر القول بإجزاء ما ليس بواجب عن الواجب ومع لزوم نية الوجوب ولا يلزم على ذلك أن لا يجب الشرط إلا عند وجوب المشروط وهذا من العاديات بمثابة من يعلم من عادته اضطراره إلى الغذاء في وقت طلوع الشمس ومن شرط الغذاء الذي يتغذى به طبخه فلا بد من تقديم الطبخ الذي هو الشرط على وقت الاغتذاء ثم لا يتعين لذلك الطبخ الزمن المجاور لزمن الاغتذاء بل له تقديم الطبخ والاستعداد به من حين طروء عزمه على الاستعداد وإنما صح ذلك لاستواء حصول المصلحة بالاغتذاء بالقريب الطبخ والبعيد الطبخ وهذا على تقدير استواء ذلك بالنسبة إلى حال هذا الشخص وهذا الغذاء قال ( فقبل سبب الوجوب لا وجوب ) قلت ذلك مسلم لكن ليس سبب وجوب الطهارة المعينة هو بعينه سبب وجوب الصلاة المعينة بل العزم على استباحتها بتلك الطهارة ولا استحالة في مغايرة سبب المشروط سبب الشرط فإن هذه الأمور وضعية تقع بحسب قصد واضعها والله أعلم قال ( وإذا عدم الوجوب في هذه الأفعال اتجه الإشكال من قاعدة أخرى وهي أن غير الواجب لا يجزئ عن الواجب وأن الواجب لا يخرج عن عهدته إلا بفعل يفعل لا بغير فعل ألبتة فهذا مخالف لقواعد الشرع ) قلت [ ص: 166 ] كل ما قاله في ذلك لازم على تقدير لزوم اتحاد سبب وجوب الشرط والمشروط أما على تقدير عدم لزوم ذلك فلا قال ( وعند توجه هذه الإشكالات اضطربت أجوبة الفقهاء واختلفت أفكارهم فقال القاضي أبو بكر بن العربي أقول الوضوء واجب وجوبا موسعا قبل الوقت وفي الوقت والواجب الموسع يجوز تقديمه وتأخيره ويقع على التقديرين واجبا فما أجزأ عن الواجب إلا واجب ) قلت ما قاله الإمام أبو بكر صحيح والله أعلم قال شهاب الدين
( وهذا أحسن الأجوبة التي رأيتها وهو لا يصح بسبب أن الواجب الموسع في الشريعة إنما عهد بعد طريان سبب الوجوب ، أما وجوب قبل سببه فلا يعقل في الشريعة لا مضيقا ولا موسعا ) قلت ما قاله مسلم قال ( وأوقات الصلوات نصبها صاحب الشرع أسبابا لوجوبها فلا تجب قبلها ولا تجب شرائطها ووسائلها قبل وجوبها ) قلت قوله إن الصلوات لا تجب قبل أسبابها مسلم وقوله إن شرائطها ووسائلها لا تجب قبل وجوبها ممنوع وقد سبق تقريره قال ( فإن القاعدة الشرعية أن وجوب الوسائل تبع لوجوب المقاصد ) قلت إن أراد أنه تبع بمعنى أنه لا يسبق وجوب الشرائط وجوب المشروطات فهو محل النزاع وهو ممنوع وإن أراد أنه تبع بمعنى أنه لولا وجوب المشروطات ما وجبت الشروط فمسلم ولا يلزم عنه مقصوده .
قال ( ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بعد وجوب الواجب الأصلي أما قبل وجوبه فهو غير معقول هذا ما على هذا الجواب ) قلت قوله ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بعد وجوب الواجب الأصلي ممنوع وقوله أما قبل وجوبه فهو غير معقول قد سبق أنه معقول وذلك عند استواء تقديم الشرط على وقت وجوب المشروط وتأخيره عنه في المصلحة المقصودة من ذلك الشرط قال ( وقال غيره هذه الأمور تقع غير واجبة وتجزئ عن الواجب بالإجماع إلى قوله [ ص: 167 ] أما الاستثناء فلا نسلمه ) .
قلت ما قاله في رد ذلك القول صحيح والله أعلم قال ( وقال ثالث الموجود من الفعل بعد دخول الوقت في هذه الأمور هو الواجب وهو لا بد أن يستصحب ثوبه واستقباله وطهارته وملازمة الشيء واستصحابه فعل من المكلف فهذا هو الذي أجزأ عن الواجب وهذا أيضا غير جيد بسبب أنا نضيق الفرض في الثوب والقبلة ونفرضه قبل الوقت على تلك الهيئة بحيث لا يجدد شيئا بعد دخول الوقت حتى يحرم ولا نسلم أن دوام الثوب عليه فعل له ولا دوام الطهارة بدليل أنه لو غفل عن كونه متطهرا ومستقبلا ولابسا وصلى صحت صلاته ومع الغفلة يمتنع الفعل لأن من شرط الفعل الشعور به ولا شعور فلا فعل وهذا التضييق يحسم مادة هذا الجواب ) قلت على تسليم أن استدامة اللبس والطهارة والاستقبال ليس بفعل حسا لكنه في معنى الفعل حكما واستدلاله بالغفلة لا دليل له فيه فإن الغفلة إنما تناقض الفعل الحسي الحقيقي لا الحكمي بدليل صحة الصلاة في حالة الغفلة .
قال ( فإن قلت فلم حنثته بدوام لبس الثوب إذا nindex.php?page=treesubj&link=16535_26602حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه أو لا يدخل دارا وهو فيها على أحد القولين مع أنه ليس معه إلا الاستصحاب فدل ذلك على أنه فعل وإذا كان فعلا هناك كان فعلا هنا قلت الإيمان يكفي فيه شهادة العرف كان فيها فعل أو لا فقد نحنثه بغير فعله بل بفعل غيره كقوله إن قدم زيد أو طار الغراب أو بغير ذلك من الأفعال أو بغير فعل ألبتة كقوله إن كان المستحيل مستحيلا فامرأته طالق طلقت عليه امرأته مع أن المستحيل لا فعل له فيه ألبتة بخلاف ما نحن فيه فإنه باب تكليف وإيجاب والتكليف لا بد فيه [ ص: 168 ] من الفعل فاندفع السؤال ) قلت لا يندفع ذلك السؤال بما دفعه به من جهة أن قوله فقد نحنثه بغير فعله وإن كان صحيحا فإنما كان ذلك لأن الحالف علق يمينه بفعل الغير أو بالمستحيل كما مثل أما إذا حلف وعلق يمينه بفعل نفسه فلا يخلو أن يقع معه ابتداء ذلك الفعل أو يكون ملابسا له من قبل فإن وقع منه ابتداء بعد اليمين حنث باتفاق وإن كان ملابسا له في حين اليمين حنث على خلاف ووجه القول بالحنث أن الاستمرار على الفعل في حكم الفعل ابتداء .
ووجه القول الآخر أنه ليس كالفعل ابتداء والقول الأول أصح والله تعالى أعلم من جهة أن الحالف متمكن من ترك استمرار اللبس قال ( والجواب الصحيح عندي أن هذه الأمور الثلاثة شروط فهي من باب خطاب الوضع وخطاب الوضع لا يشترط فيه فعل المكلف ولا علمه ولا إرادته إلى قوله فاجتمع فيها حينئذ خطاب الوضع وخطاب التكليف ) قلت فإذا اجتمع فيها خطاب الوضع مع خطاب التكليف لزم اشتراط فعل المكلف وعلمه وإرادته قال ( وإن دخل الوقت وهو متطهر لابس مستقبل اندفع خطاب التكليف وبقي خطاب الوضع خاصة فأجزأته الصلاة لوجود شروطها وليس من شرط خطاب الوضع أن يجتمع معه خطاب التكليف ) قلت مسلم أنه ليس من شرط خطاب الوضع اجتماعه مع خطاب التكليف ولكن الكلام إنما وقع في أمور اجتمع فيها الخطابان معا وقوله إنه إذا دخل الوقت وهو مستصحب لتلك الأمور ليس الكلام المفروض في دخول الوقت وهو على تلك الحال وإنما الكلام فيما إذا توضأ قبل الوقت هل أوقع واجبا أم لا وهل تلزمه نية الوجوب أم لا وفي ذلك الوقت لا يرتفع خطاب التكليف فلا بد من شروط خطاب التكليف .
قال ( ولا يحتاج إلى شيء من تلك التعسفات بل نخرجه على قاعدة خطاب الوضع ولا يلزم منه مخالفة قاعدة ألبتة ) قلت قد تبين أنه لا يصح تخريجه على قاعدة خطاب الوضع لاجتماع الخطابين في [ ص: 169 ] تلك الأمور قال ( غايته أن يلزم منه أن يجب الوضوء في حالة دون حالة وهذا لا منكر فيه فإن شأن الشريعة تخصيص الوجوب ببعض الحالات وبعض الأزمنة وبعض الأشخاص وهذا هو الأصل لا أنه مخالف للأصل ) قلت ما قاله مسلم لكن يلزم منه أن الوضوء ليس بواجب إلا في الوقت أو فيما قبل الوقت عند فعله خاصة فلم ينتج كلامه مقصوده بوجه
قال ( وإنما صعب على طالب العلم هذا من جهة أنه يسمع طول عمره أن الطهارة واجبة في الصلاة مطلقا ولم يسمع في ذلك تفصيلا فصعب عليه التفصيل وكم من تفصيل قد سكت عنه الدهر الطويل وأجراه الله تعالى على قلب من شاء من عباده في جميع العلوم العقليات والنقليات ومن اشتغل بالعلوم وكثر تحصيله لها اطلع على شيء كثير من ذلك فهذا هو تحرير هذا الموضع عندي وهو من المشكلات التي يقل تحريرها والجواب عنها من الفضلاء ) قلت ما قاله في ذلك كله صحيح غير أنه لا ينتج له مقصوده أو لا يلزم أن يكون التفصيل على الوجه الذي ذكره من تلك التفصيلات والله أعلم .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( الفرق السادس والعشرون بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع ) اعلم أن nindex.php?page=treesubj&link=20715_23988الأفعال الواقعة في الوجود المقتضية لأمور تشرع لأجلها أو توضع فتقتضيها على الجملة ضربان أحدهما خارج عن مقدور المكلف وهذا قد يكون سببا كالاضطرار في إباحة الميتة وخوف العنت في إباحة نكاح الإماء والسلس في إسقاط وجوب [ ص: 176 ] الوضوء لكل صلاة مع وجود الخارج وزوال الشمس أو غروبها أو طلوع الفجر في إيجاب تلك الصلوات وما أشبه ذلك وقد يكون شرطا كالحول في إيجاب الزكاة والبلوغ في التكليف مطلقا والقدرة على التسليم في صحة البيع والرشد في دفع مال اليتيم إليه وإرسال الرسل في الثواب والعقاب وما أشبه ذلك وقد يكون مانعا كالحيض من الوطء والطلاق والطواف بالبيت ووجوب الصلوات وأداء الصيام والجنون من القيام بالعبادات وإطلاق التصرفات وما أشبه ذلك الضرب الثاني ما لا يكون خارجا عن مقدور المكلف وله نظر إن نظر من جهة دخوله تحت خطاب التكليف مأمورا به أو منهيا عنه أو مأذونا فيه لاقتضائه للمصالح أو المفاسد جلبا أو دفعا كالبيع والشراء للانتفاع والنكاح للنسل والانقياد للطاعة لحصول الفوز وما أشبه ذلك وهو بين ونظر من جهة دخوله تحت خطاب الوضع إما لكونه سببا كالنكاح سببا في حصول التوارث بين الزوجين وتحريم المصاهرة وحلية الاستمتاع والذكاة سببا لحلية الانتفاع بالأكل والسفر سببا في إباحة القصر والفطر والقتل والجرح سببا للقصاص والزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف أسبابا لحصول تلك العقوبات
وما أشبه ذلك وإما لكونه شرطا كالنكاح شرطا في وقوع الطلاق أو في حل مراجعة المطلقة ثلاثا والإحصان شرطا في رجم الزاني والطهارة شرطا في صحة الصلاة والنية شرطا في صحة العبادات وما أشبه ذلك وإما لكونه مانعا كنكاح الأخت مانعا من نكاح الأخرى ونكاح المرأة مانعا من نكاح عمتها وخالتها والإيمان مانعا من القصاص للكافر والكفر مانعا من قبول الطاعات وما أشبه ذلك وهذه الثلاثة وإن اجتمعت في نحو النكاح لكن لا لحكم واحد بل إنما هو سبب لحكم وشرط لآخر ومانع لآخر كما علمت إذ لا يصح اجتماعها ولا اثنين منها على الحكم الواحد كما لا يصح ذلك في أحكام خطاب التكليف لما في ذلك من التدافع ا هـ ملخصا من الموافقات للشاطبي
nindex.php?page=treesubj&link=20583_20577_20545_27824_20491ويضبط خطاب التكليف بأمور ثلاثة أحدها أنه في اصطلاح العلماء هو الأحكام الخمسة الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة قيل والأصل في لفظه التكليف لكونها مشتقة من الكلفة أن لا تطلق إلا على التحريم والوجوب إذ لا توجد الكلفة إلا فيهما لأجل الحمل على الفعل أو الترك خوف العقاب والمكلف بالنسبة لما عداهما في سعة لعدم المؤاخذة فلا كلفة إلا أنهم توسعوا في إطلاق اللفظ على الجميع تغليبا أو لكونها لا تتعلق إلا بفعل المكلف [ ص: 177 ] وفي حاشية الأمير على عبد السلام ما حاصله أن التكليف إما أن يفسر بإلزام ما فيه كلفة فلا يشمل الندب والكراهة وإما أن يفسر بالطلب فيشملهما وعلى الأول يظهر ما رجحه المالكية من تعلق الندب والكراهة بالصبي كأمره بالصلاة لسبع من الشارع بناء على أن الأمر بالأمر أمر وأما الإباحة فليست تكليفا عليهما وعدها في أحكام التكليف إما أنه تغليب أو أن معناه أنها لا تتعلق إلا بالمكلف لما صرح به في أصول الفقه من أن أفعال الصبي ونحوه كالبهائم مهملة ولا يقال أنها مباحة وتقريبه أن معنى مباحة لا إثم في فعلها ولا في تركها ولا ينفى الشيء إلا حيث يصح ثبوته قال ولا يعول على ظاهر ما نقل عن أبي منصور الماتريدي والحنفية من أن الصبي مكلف بالإيمان بالله وأنهم حملوا رفع القلم عنه على غير الإيمان من الشرعيات وذلك لأن جمهور أهل العلم على نجاة الصبيان مطلقا وهم في الجنة ولو أولاد الكفار نعم إن أرادوا ما قاله أصحابنا المالكية nindex.php?page=treesubj&link=20740_9938ردة الصبي وإيمانه معتبران بمعنى إجراء الأحكام الدنيوية التي تتسبب عنهما كبطلان ذبحه ونكاحه وصحتهما رجع لخطاب الوضع من حيث السبب والمانع وهو لا يتقيد بالمكلف إلا أنه لا يعاقب في الآخرة ولا يقتل قبل البلوغ ا هـ وقد قدمنا تبعا لابن الشاط أن التكليف بعينه مشقة لأنه منع الإنسان من الاسترسال مع دواعي نفسه وهو أمر نسبي وبهذا الاعتبار سمي تكليفا وهذا المعنى موجود في جميع أحكامه حتى الإباحة ويوضح هذا ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=14563الشاطبي في الموافقات من أن القاعدة المقررة أن الشرائع إنما جيء بها لمصالح العباد
فالأمر والنهي والتخيير جميعا راجعة إلى حظ المكلف ومصالحه لأن الله تعالى غني عن الحظوظ منزه عن الأغراض غير أن الحظ على ضربين أحدهما داخل تحت الطلب فللعبد أخذه من جهة الطلب فلا يكون ساعيا في حظه وهو مع ذلك لا يفوته حظه لكنه أخذ له من جهة الطلب لا من حيث باعث نفسه وهذا معنى كونه بريئا من الحظ وقد يأخذه من حيث الحظ إلا أنه لما كان داخلا تحت الطلب فطلبه من ذلك الوجه صار حظه تابعا للطلب فلحق بما قبله في التجرد عن الحظ وسمي باسمه والثاني غير داخل تحت الطلب فلا يكون آخذا له إلا من جهة إرادته واختياره لأن الطلب مرفوع عنه بالغرض فهو وقد أخذه إذا من جهة حظه فلهذا يقال في المباح إنه العمل المأذون فيه المقصود به مجرد الحظ الدنيوي خاصة ا هـ أي إلا أنه لما لم يتم فيه الحظ المذكور بواسطة الحجر عن الاسترسال فيه وفي غيره إلا بمقتضى الإذن لم يخل عن كلفة ومشقة [ ص: 178 ] فافهم وثاني الأمور أن متعلقه الفعل لا الكون كذا وثالثها أنه يشترط في خطاب التكليف علم المكلف بالتكليف وقدرته على ذلك الفعل وكونه من كسبه لقول الشيخ تاج الدين السبكي في جمع الجوامع والصواب امتناع nindex.php?page=treesubj&link=20743_20745تكليف الغافل والملجأ ا هـ .
أما الأول وهو من لا يدري كالنائم والساهي فلأنه لو صح تكليفه لكان مستدعي حصول الفعل منه على قصد الطاعة والامتثال وهو لا يفهم وأنه محال إذ لا يتصور ممن لا شعور له بالأمر قصد الفعل امتثالا للأمر واستحالة اللازم يلزمها استحالة الملزوم وأما الثاني وهو من يدري ولا مندوحة له كما ألجئ إليه كالملقى من شاهق على شخص يقتله لا مندوحة له عن الوقوع عليه القاتل له فامتناع تكليفه بالملجأ إليه أو بنقيضه لعدم قدرته على ذلك لأن الملجأ إليه واجب الوقوع عادة ونقيضه ممتنع الوقوع كذلك ولا قدرة له على واحد من الواجب والممتنع ، وتكليف الغافل ليس من قبيل nindex.php?page=treesubj&link=20743_20724التكليف بالمحال بل من قبيل nindex.php?page=treesubj&link=20723_20743_20724التكليف المحال والفرق بينهما هو أن الخلل في الأول راجع إلى المأمور به وفي الثاني راجع إلى المأمور فلا يلزم من تجويز التكليف بالمحال جواز تكليف الغافل الذي هو من قبيل التكليف المحال على أن في التكليف بالمحال فائدة مفقودة في تكليف الغافل وهو اختيار الشخص هل يمتثل بالأخذ في الأسباب أو لا نعم تكليف الملجأ من قبيل التكليف بالمحال إذ لا فرق بينه وبين تكليف الزمن بالمشي والإنسان بالطيران الذي عده في جمع الجوامع من قبيل التكليف بالمحال وجوزه قال سم إلا أن يفرق بمجرد أن الملجأ ساقط الاختيار رأسا بخلاف غيره ولا يخفى ما فيه فتأمل ا هـ .
ملخصا من المحلي والعطار والشربيني قال الشربيني والحق أن كلام المتقدمين في مسألة الملجأ إنما هو من جهة عدم جواز تكليف من أزيل رضاه واختياره وصار بحيث لا قدرة له أصلا بالإلجاء كما أن كلامهم في مسألة الغافل إنما هو من جهة امتناع تكليفه من حيث غفلته وفي مسألة التكليف بالمحال أي ما لا يطاق عادة إنما هو من جهة جواز تكليف من لا تصلح قدرته للمكلف به مع علمه بالتكليف وعدم إكراهه وإلجائه فكلامهم في كل من حيث خصوصه لا من حيث عموم غيره له أو عمومه لغيره لأنهم رحمهم الله تعالى اكتفوا في التفرقة بين المسائل المتشابهة بالقيود المأخوذة من عنوانها وإلا لم تكن هي محل الكلام فيها فسقط ما لسم وغيره من المتأخرين هنا فافهم nindex.php?page=treesubj&link=20588ويضبط خطاب الوضع بأمور ثلاثة أيضا
أحدها أنه ينحصر في الأسباب والشروط والموانع والصحة والبطلان والعزائم والرخص فهذه خمسة أنواع بعد الصحة والبطلان واحدا والعزائم والرخص واحدا كما في الموافقات للشاطبي ولم يعد في جمع الجوامع وشروحه وحواشيه العزائم والرخص بل اعتبروا الصحة والفساد نوعين لا نوعا واحدا بل قال العطار الحق ما nindex.php?page=showalam&ids=15384للناصر من أن المأخوذ من كلام nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب والعضد من أن الصحة والفساد من الأحكام العقلية بعرض العبادة مثلا على الأوامر فكون الفعل موافقا للأوامر أو مخالفا لا يحتاج إلى توقيف من الشارع بل يعرف بمجرد العقل ككونه مؤديا للصلاة أو تاركا لها فلا يكون حكما شرعيا بل عقليا وعلى هذا فالأحكام الوضعية ثلاثة ا هـ
وثانيها أن nindex.php?page=treesubj&link=20588_20590متعلقه [ ص: 179 ] الكون كذا لا الفعل فهو عبارة عن الخطاب بنصب الأسباب الوقتية كالدلوك لوجوب الصلاة والمعنوية كالإسكار للتحريم والخطاب بنصب الشروط للحكم كالقدرة على التسليم للمبيع أو لسبب كالطهارة في الصلاة وسببها أي الصلاة تعظيم الله تعالى والخطاب بنصب الموانع إما للحكم كالأبوة في القصاص أو للسبب كالدين في الزكاة والخطاب بنصب الصحة والبطلان للعبادات والعادات وكل من لفظي الصحة والبطلان يطلق باعتبار ترتب آثار العمل عليه في الدنيا وعدم ترتبه عليه وباعتبار ترتب آثار العمل في الآخرة وعدم ترتبه والخطاب بنصب العزيمة والرخصة والعزيمة ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء والرخصة ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه انظر الموافقات وسيأتي بيان بعضه في الفرق الحادي والثمانين فترقب
وثالثها أن خطاب الوضع لا يشترط فيه علم المكلف وقدرته وكونه من كسبه فلذلك نورث بالأنساب من لا يعلم نسبه ويدخل العبد الموروث في ملكه ويعتق عليه إن كان ممن يعتق عليه مع غفلته عن ذلك وعجزه عن دفعه ويطلق بالإضرار والإعسار اللذين هما مجوز عنهما ويضمن بالإتلاف المغفول عنه من الصبيان والمجانين فإن معنى خطاب الوضع قول صاحب الشرع في السبب اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا أو حرم كذا أو ندب أو غير ذلك وفي المانع متى وجد كذا فقد عدم كذا وفي الشرط متى عدم كذا فقد عدم كذا وقس الباقي وأما اشتراط القدرة والعلم والقصد في أسباب العقوبات التي هي جنايات كالقتل الموجب للقصاص والزنا وشرب الخمر الموجبين للحد فلذلك لا قصاص في قتل الخطأ ولا يجب nindex.php?page=treesubj&link=20715_10355_10375_4598حد الزنا على المكره ولا على nindex.php?page=treesubj&link=4598_20715_10355_10375_4423من لا يعلم أن الموطوءة أجنبية بل إذا اعتقد أنها امرأته سقط الحد لعدم العلم واشتراط ذلك أيضا في أسباب انتقال الأملاك كالبيع والهبة والوصية والصدقة والوقف والإجارة والقراض والمساقاة والمغارسة والجعالة وغير ذلك مما هو سبب انتقال الأملاك فمن باع وهو لا يعلم أن هذا اللفظ أو هذا التصرف يوجب انتقال الملك لكونه عجميا أو طارئا على بلاد الإسلام لا يلزمه بيع ولا نحوه من جميع ما ذكر معه ومن أكره على البيع أو نحوه مما ذكر معه لا يلزمه ذلك فلأنه لما ازدوج في هذه الأمور خطاب التكليف والوضع لحقها اشتراط ذلك من جهة خطاب التكليف لا من جهة خطاب الوضع حتى يقال باستثنائها من خطاب الوضع نعم لما ارتفع خطاب التكليف مع عدم تلك الأوصاف ارتفع خطاب الوضع المرتب عليه والله أعلم وسيأتي آخر الفرق السابع والتسعين الفرق بين المانع اعتبر فيه أن يكون وجوديا وبين السبب لم يعتبر فيه ذلك والفرق بين مانع الحكم وعدم السبب فترقب
( وصل ) في nindex.php?page=treesubj&link=20703_20486ثبوت العفو وعدم ثبوته قولان استدل من قال بثبوته بثلاثة أوجه أحدها ما تقدم من أن الأحكام الخمسة إنما تتعلق بأفعال المكلفين مع القصد إلى الفعل وأما دون ذلك فلا وإذا لم يتعلق بها حكم منها مع وجدانه أي الحكم ممن شرط الحكم وبين مانع السبب وعدم شرط شأنه أن تتعلق به فهو معنى العفو المتكلم فيه أي لا مؤاخذة به
والثاني ما جاء من النص على هذه المرتبة على الخصوص فقد روي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=11292إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها [ ص: 180 ] ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها } وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض صلى الله تعالى عليه وسلم كلها في القرآن { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222يسألونك عن المحيض } { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220يسألونك عن اليتامى } { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام } ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم يعني أن هذا كان الغالب عليهم وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال ما لم يذكر في القرآن فهو مما عفا الله عنه وكان يسأل عن الشيء لم يحرم فيقول عفو وقيل له ما تقول في أموال أهل الذمة فقال العفو يعني لا تؤخذ منهم زكاة وقال nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير أحل الله حلالا وحرم حراما فما حل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
والثالث ما يدل على هذا المعنى في الجملة كقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم } الآية فإنه موضع اجتهاد في الإذن عند عدم النص وقد ثبت في الشريعة nindex.php?page=treesubj&link=22291العفو عن الخطأ في الاجتهاد حسبما بسطه الأصوليون ومنه قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=68لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } { وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يكره كثرة السؤال فيما لم ينزل فيه حكم } بناء على حكم البراءة الأصلية إذ هي راجعة إلى هذا المعنى ومعناها أن الأفعال معها معفو عنها وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=87202إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم عليهم فحرم عليهم من أجل مسألته } انظر الموافقات للشاطبي واستدل القائل بعدمه بثلاثة أوجه أيضا
أحدها أن أفعال المكلفين من حيث هم مكلفون إما أن تكون بجملتها داخلة تحت خطاب التكليف فهو الاقتضاء أو التخيير أو لا تكون بجملتها داخلة فإن كان بجملتها داخلة فلا زائد على الأحكام الخمسة وهو المطلوب وإن لم تكن داخلة بجملتها لزم أن يكون بعض المكلفين خارجا عن حكم خطاب التكليف ولو في وقت أو حالة ما لكن ذلك باطل لأنا فرضناه مكلفا فلا يصح خروجه فلا زائد على الأحكام الخمسة
والثاني أن هذا زائد إما أن يكون حكما شرعيا أو لا فإن لم يكن حكما شرعيا فلا اعتبار به وإن كان حكما شرعيا فإما من خطاب التكليف وأنواعه محصورة في الخمسة وإما من خطاب الوضع وأنواعه أيضا محصورة في الخمسة التي ذكرها الأصوليون وهذا ليس من هذه ولا من هذه فكان لغوا ويدل على أنه ليس حكما شرعيا أو لا أنه مسمى بالعفو والعفو إنما يتوجه حيث يتوقع للمكلف حكم المخالفة لأمر أو نهي وذلك يستلزم كون المكلف به قد سبق حكمه فلا يصح أن يتوارد عليه حكم آخر لتضاد الأحكام وثانيا أن العفو إنما هو حكم أخروي لا دنيوي وكلامنا في الأحكام المتوجهة في الدنيا والثالث أن هذا الزائد أي مرتبة العفو إن كانت راجعة إلى المسألة الأصولية وهي أن يقال هل يصح أن يخلو بعض الوقائع عن حكم الله أم لا فالمسألة مختلف فيها فليس إثباتها أولى من نفيها إلا بدليل والأدلة فيها متعارضة فلا يصح إثباتها إلا بالدليل السالم عن المعارض ودعواه وأيضا إن كانت اجتهادية فالظاهر نفيها بالأدلة المذكورة في كتب الأصول وإن لم تكن راجعة إلى تلك المسألة فليست بمفهومة وما تقدم من الأدلة على إثبات تلك المرتبة لا دليل فيه فالأدلة النقلية غير مقتضية للخروج عن الأحكام [ ص: 181 ] الخمسة لإمكان الجمع بينهما ولأن العفو أخروي وأيضا فإن سلم للعفو ثبوت ففي زمانه عليه الصلاة والسلام لا في غيره ولإمكان تأويل تلك الظواهر وما سيذكر من nindex.php?page=treesubj&link=27987_20745_27990أنواع العفو فداخلة أيضا تحت الخمسة فإن العفو فيها راجع إلى رفع حكم الخطأ والنسيان والإكراه والحرج وذلك يقتضي إما الجواز بمعنى الإباحة وإما رفع ما يترتب على المخالفة من الذم وتسبيب العقاب وذلك يقتضي إثبات الأمر والنهي مع رفع آثارهما لمعارض فارتفع الحكم بمرتبة الحكم وأن يكون أمرا زائدا على الخمسة وفي هذا المجال أبحاث أخر وعلى القول بثبوت العفو فهل هو حكم أم لا احتمالات وعلى الاحتمال الأول فهل يرجع إلى خطاب التكليف أم إلى خطاب الوضع احتمالات جزم الأصل بالثاني وقال nindex.php?page=showalam&ids=14563الشاطبي والنظر في هذه الاحتمالات لما لم يكن مما ينبني عليه حكم عملي لم يتأكد البيان فيه فكان الأولى تركه أفاد جميع ذلك في الموافقات ولمواقع العفو على ثبوته إعمالا لأدلته ضابطان
الضابط الأول للأصل أنه التقادير الشرعية التي هي إعطاء الموجود حكم المعدوم كتقدير النجاسة في حكم العدم في صور الضرورات كدم البراغيث وموضع الحدث في المخرجين أو المعدوم حكم الموجود كتقدير الكفر المعدوم عند قتل المسلم لظنه كافرا في حكم الموجود فيسقط القصاص والضابط الثاني للشاطبي في الموافقات أنه ينحصر في ثلاثة أنواع أحدها الوقوف مع مقتضى الدليل المعارض قصد نحوه وقد قوي معارضه كالعمل بالعزيمة الراجعة إلى أصل التكليف وإن توجه حكم الرخصة المستمدة من قاعدة رفع الحرج وبالعكس فالرجوع إلى حكم الرخصة وقوف مع ما مثله معتمد لكن لما كان أصل رفع الحرج واردا على أصل التكليف وورد المكمل ترجح جانب أصل العزيمة بوجه ما غير أنه لا يخرم أصل الرجوع لأن بذلك المكمل قيام أصل التكليف وقد اعتبر في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك هذا ففيه أن من nindex.php?page=treesubj&link=2498_26815_2525سافر في رمضان أقل من أربعة برد فظن أن الفطر مباح به فأفطر فلا كفارة عليه ومن أفطر فيه بتأويل وإن كان أصله غير علمي بل هذا جار في كل متأول كشارب المسكر يظنه غير مسكر وقاتل المسلم يظنه كافرا وآكل المال الحرام عليه يظنه حلالا له والمتطهر بماء نجس يظنه طاهرا وأشباه ذلك ومثله المجتهد المخطئ في اجتهاده أخرج nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود عن { nindex.php?page=hadith&LINKID=87203nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم يخطب فسمعه يقول اجلسوا فجلس بباب المسجد فرآه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له تعال يا nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود وسمع nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة وهو بطريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يقول اجلسوا فجلس في الطريق فمر به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال ما شأنك فقال سمعتك تقول اجلسوا فجلست فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم زادك الله طاعة } وقد قال عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=87204لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة فأدركهم وقت العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي ولم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يعنف واحدة من الطائفتين } ويدخل ههنا كل nindex.php?page=treesubj&link=15131_15160قضاء قضى به القاضي من مسائل الاجتهاد ثم يتبين له خطؤه ما لم يكن قد أخطأ نصا أو إجماعا أو بعض القواطع وكذلك الترجيح بين الدليلين فإنه وقوف مع أحدهما وإهمال للآخر فإذا [ ص: 182 ] فرض مهملا للراجح فذلك لأجل وقوفه مع المرجوح وهو في الظاهر دليل يعتمد مثله وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=27987العمل بدليل منسوخ أو غير صحيح فإنه وقوف مع ظاهر دليل يعتمد مثله في الجملة فلا يدخل تحت هذا النوع من العفو وقوفه مع مقتضى دليل غير معارض لأنه أمر أو نهي أو تخيير عمل على وفقه فلا عتب يتوهم فيه ومؤاخذة تلزمه بحكم الظاهر فلا موقع للعفو فيه ولا وقوفه مع ما لم يقو معارضه لأنه من النوع الثاني
النوع الثاني خروجه عن مقتضى الدليل عن غير قصد أو عن قصد لكن بالتأويل فمثال مخالفته عن غير قصد أن يعمل الرجل عملا على اعتقاد إباحته لأنه لم يبلغه دليل تحريمه أو كراهيته أو يتركه معتقدا إباحته إذا لم يبلغه دليل وجوبه أو ندبه كقريب العهد بالإسلام لا يعلم أن الخمر محرمة فيشربها أو لا يعلم أن غسل الجنابة واجب فيتركه وكما اتفق في الزمان الأول حين لم تعلم الأنصار طلب الغسل من التقاء الختانين ومثل هذا كثير يتبين للمجتهدين وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه كان لا يرى nindex.php?page=treesubj&link=73تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ويراه من التعمق حتى بلغه أن { nindex.php?page=hadith&LINKID=87205النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يخلل } فرجع إلى القول به وكما اتفق nindex.php?page=showalam&ids=14954لأبي يوسف مع nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المد والصاع حتى رجع إلى القول بذلك ومن ذلك العمل على المخالفة خطأ أو نسيانا أو إكراها ففي الحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } فإنه وإن لم يصح إلا أن معناه متفق عليه ومن ذلك nindex.php?page=treesubj&link=20032العفو عن عثرات ذوي الهيئات فإنه ثبت في الشرع إقالتهم في الزلات وأن لا يعاملوا بسببها معاملة غيرهم ففي الحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=1512أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم }
وفي حديث آخر { nindex.php?page=hadith&LINKID=87206تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة والصلاح } وروي العمل بذلك عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم فإنه قضى به في رجل من آل عمر بن الخطاب شبح رجلا وضربه فأرسله وقال أنت من ذوي الهيئات وفي خبر آخر عن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال استأذى علي مولى لي جرحته يقال له سلام البربري إلى nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فأتاني فقال جرحته قلت نعم قال سمعت خالتي عمرة تقول قالت عائشة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=1512أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم } فخلى سبيله ولم يعاقبه وهذا أيضا من شئون رب العزة سبحانه فإنه قال { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } الآية لكنها أحكام أخروية وكلامنا في الأحكام الدنيوية ويقرب من هذا المعنى nindex.php?page=treesubj&link=25855درء الحدود بالشبهات فإن الدليل يقوم هنالك مفيدا للظن في إقامة الحد ومع ذلك فإذا عارضه شبهة وإن ضعفت غلب حكمها ودخل صاحبها في حكم العفو وقد يعد هذا المجال مما خولف فيه الدليل بالتأويل وهو من هذا النوع أيضا ومثال مخالفته بالتأويل مع المعرفة بالدليل ما وقع في الحديث في تفسير قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية عن nindex.php?page=showalam&ids=121قدامة بن مظعون حين قال لعمر بن الخطاب إن كنت شربتها فليس لك أن تجلدني قال عمر ولم قال لأن الله يقول { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية . فقال عمر إنك أخطأت التأويل يا قدامة إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله قال nindex.php?page=showalam&ids=12429القاضي إسماعيل وكأنه أراد أن هذه الحالة تكفر ما كان من شربه لأنه كان ممن اتقى وآمن وعمل الصالحات وأخطأ [ ص: 183 ] في التأويل بخلاف من استحلها كما في حديث علي رضي الله عنه ولم يأت في حديث قدامة أنه حد ومما وقع في المذهب في nindex.php?page=treesubj&link=670_655المستحاضة تترك الصلاة زمانا جاهلة بالعمل أنه لا قضاء عليها فيما تركت قال في مختصر ما ليس في المختصر لو طال بالمستحاضة والنفساء الدم فلم تصل النفساء ثلاثة أشهر ولا المستحاضة شهرا لم تقضيا ما مضى إذا تأولتا في ترك الصلاة دوام ما بهما من الدم وقيل في المستحاضة إذا تركت بعد أيام أقرائها يسيرا أعادته وإن كان كثيرا فليس عليها قضاؤه بالواجب وفي سماع أبي زيد عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنها إذا تركت الصلاة بعد الاستظهار جاهلة لا تقضي صلاة تلك الأيام واستحب ابن القاسم لها القضاء ومن ذلك أيضا nindex.php?page=treesubj&link=26815_2497_2525المسافر يقدم قبل الفجر فيظن أن من لم يدخل قبل غروب الشمس فلا صوم له أو nindex.php?page=treesubj&link=26815_2355_2525تطهر الحائض قبل طلوع الفجر فيظن أنه لا يصح صومها حتى تطهر قبل الغروب فلا كفارة هنا وإن خالف الدليل لأنه متأول وإسقاط الكفارة هو معنى العفو
النوع الثالث nindex.php?page=treesubj&link=20703العمل بما هو مسكوت عن حكمه إما على القول بصحة الخلو كما هو مقتضى حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=62336وما سكت عنه فهو عفو } وأشباهه مما تقدم فظاهر وأما على القول الآخر بعدم صحة الخلو فيمكن أن يصرف السكوت عليه إلى ثلاثة أوجه
الوجه الأول ترك الاستفصال مع وجود فطنته كما في قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } فإن هذا العموم يتناول بظاهره ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم وإذا نظر إلى المعنى أشكل لأن في ذبائح الأعياد زيادة تنافي أحكام الإسلام فكان للنظر هنا مجال ولكن nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحولا سئل عن المسألة فقال كله قد علم الله ما يقولون وأحل ذبائحهم يريد والله أعلم أن الآية لم يخص عمومها وإن وجد هذا الخاص المنافي وعلم الله مقتضاه ودخوله تحت عموم اللفظ ومع ذلك فأحل ما ليس فيه عارض وما هو فيه لكن بحكم العفو عن وجه المنافاة وإلى نحو هذا يشير قوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=87207وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها } وحديث الحج أيضا مثل هذا حين قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=87208أحجنا هذا لعامنا أو للأبد } لأن اعتبار اللفظ يعطي أنه للأبد فكره عليه الصلاة والسلام سؤاله وبين له علة ترك السؤال عن مثله وكذلك حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=10895إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما } إلخ يشير إلى هذا المعنى فإن السؤال عما لم يحرم ثم يحرم لأجل المسألة إنما يأتي في الغالب من جهة إبداء وجه فيه يقتضي التحريم مع أن له أصلا يرجع إليه في الحلية وإن اختلفت فروعه في أنفسها أو دخلها معنى يخيل الخروج عن حكم ذلك الأصل ونحوه حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=18867ذروني ما تركتكم } وأشباه ذلك
الوجه الثاني nindex.php?page=treesubj&link=20703السكوت عن مجاري العادات مع استصحابها في الوقائع كما في الأشياء التي كانت في أول الإسلام على حكم الإقرار ثم حرمت بعد ذلك بتدريج كالخمر فإنها كانت معتادة الاستعمال في الجاهلية ثم جاء الإسلام فتركت على حالها قبل الهجرة وزمانا بعد ذلك ولم يتعرض في الشرع للنص على حكمها حتى نزل { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يسألونك عن الخمر والميسر } فبين ما فيها من المنافع والمضار وأن الأضرار فيها أكبر من المنافع وترك الحكم الذي اقتضته المصلحة وهو التحريم لأن القاعدة الشرعية أن المفسدة إذا أربت على المصلحة فالحكم للمفسدة والمفاسد ممنوعة فبان وجه المنع في الخمر والميسر غير أنه لما لم ينص على المنع وإن ظهر وجهه تمسكوا بالبقاء مع الأصل الثابت لهم بمجاري العادات [ ص: 184 ] ودخل لهم تحت العفو إلى أن نزل ما في سورة المائدة من قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90فاجتنبوه } فحينئذ استقر حكم التحريم وارتفع العفو وقد دل على ذلك قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية فإنه لما حرمت قالوا كيف بمن مات وهو يشربها فنزلت الآية فرفع الجناح وهو معنى العفو ومثل ذلك الربا المعمول بها في الجاهلية وفي أول الإسلام وكذلك بيوع الغرر الجارية بينهم كبيع المضامين والملاقيح والثمر قبل بدو صلاحه وأشباه ذلك كلها كانت مسكوتا عنها وما سكت عنها فهو في معنى العفو والنسخ بعد ذلك لا يرفع هذا المعنى لوجود جملة منه باقية إلى الآن على حكم إقرار الإسلام كالقراض والحكم في الخنثى بالنسبة إلى الميراث وغيره وما أشبه ذلك مما نبه العلماء عليه
الوجه الثالث السكوت عن أعمال أخذت قبل من شريعة إبراهيم عليه السلام كما في النكاح والطلاق والحج والعمرة وسائر أفعالهما إلا ما غيروا فقد كانوا يفعلون ذلك قبل الإسلام فيفرقون بين النكاح والسفاح ويطلقون ويطوفون بالبيت أسبوعا ويمسحون الحجر الأسود ويسعون بين الصفا والمروة ويلبون ويقفون بعرفات ويأتون مزدلفة ويرمون الجمار ويعظمون الأشهر الحرم ويحرمونها ويغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم ويكفنونهم ويصلون عليهم ويقطعون السارق ويصلبون قاطع الطريق إلى غير ذلك مما كان فيهم من بقايا ملة أبيهم إبراهيم فكانوا على ذلك إلى أن جاء الإسلام فبقوا على حكمه حتى أحكم الإسلام منه ما أحكم وانتسخ ما خالفه فدخل ما كان قبل ذلك في حكم العفو مما لم يتجدد فيه خطاب زيادة على التلقي من الأعمال المتقدمة وقد نسخ منها ما نسخ وأبقى منها ما أبقى على المعهود الأول انتهى كلام nindex.php?page=showalam&ids=14563الشاطبي في الموافقات بتصرف ( وصل ) في بيان هذا الفرق بثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) يجتمع خطاب الوضع مع خطاب التكليف في أمور منها الزنا فإنه خطاب تكليف من جهة أنه حرام ووضع من جهة أنه سبب للحد ومنها السرقة فهي خطاب تكليف من جهة التحريم ووضع من جهة أنها سبب القطع ومنها بقية الجنايات فإنها محرمة وهي أسباب العقوبات ومنها البيع فإنه خطاب تكليف من جهة أنه مباح أو مندوب أو واجب أو حرام على قدر ما يعرض له في صوره على ما هو مبسوط في كتب الفقه ووضع من جهة أنه سبب انتقال الملك في البيع الجائز أو التقدير في الممنوع ومنها بقية العقود فإنها تتخرج على هذا المنوال وينفرد خطاب الوضع عن خطاب التكليف في أمور منها الزوال ورؤية الهلال ودوران الحول ونحوها فإنها من خطاب الوضع وليس فيها أمر ولا نهي ولا إذن من حيث هي كذلك بل إنما وجد الأمر في أثنائها وترتبها فقط nindex.php?page=treesubj&link=20490_20588وينفرد خطاب التكليف عن خطاب الوضع في أمور منها أداء الواجبات واجتناب المحرمات كإيقاع الصلوات وترك المنكرات فإن هذه وإن كانت من خطاب التكليف لم يجعلها صاحب الشرع سببا لفعل آخر نؤمر به أو ننهى عنه بل وقف الحال عند أدائها وترتبها على أسبابها وإن كان صاحب الشرع قد جعلها سببا لبراءة الذمة وترتيب الثواب ودرء العقاب غير أن هذه ليست أفعالا للمكلف ونحن لا نعني بكون الشيء [ ص: 185 ] سببا إلا كونه سببا لفعل من قبل المكلف فبينهما العموم والخصوص الوجهي ( المسألة الثانية ) يجب على ولي الصبي nindex.php?page=treesubj&link=20740_16763_16733إذا أفسد الصبي مالا لغيره إخراج الجابر من مال الصبي فالإتلاف سبب للضمان على الصبي بعد بلوغه إخراج الجابر من ماله إذا لم يخرجه الولي من قبل فقد تقدم السبب في زمن الصغر وتأخر أثره بعد البلوغ وأما بيعه ونكاحه وطلاقه وعتقه فلا تكون أسبابا لآثارها لا قبل ولا بعد والفرق بين اعتبار سببية الإتلاف للضمان قبل وبين عدم اعتبار سببية البيع وما بعده لآثارها قبل من وجهين أحدهما أن هذه الأمور يشترط فيها اعتبار المصالح والصبي ليس بأهل لذلك والثاني أن أثر الطلاق التحريم وأثر البيع إلزام تسليم المبيع والصبي ليس أهلا للتكليف بالتحريم والإلزام والفرق بين اعتبار سببية الإتلاف للضمان بعد وعدم اعتبار سببية البيع وما بعده لآثارها بعد هو أن تأخر المسببات عن أسبابها على خلاف الأصل وإنما خالفنا هذا الأصل في الإتلاف لضرورة حق الآدمي في جبر ماله لئلا يذهب مجانا فتضيع الظلامة وهذه ضرورة عظيمة تحققت في الإتلاف فاقتضت مخالفة الأصل المذكور فيه ولم تتحقق في الطلاق والبيع وما معهما بل إذا أسقطنا الطلاق واستصحبنا العصمة لم يلزم فساد ولا تفوت ضرورة وكذلك أيضا إذا أبقينا الملك في المبيع للصبي كنا موافقين للأصل ولا يلزم محظور ألبتة ( المسألة الثالثة ) فتاوى علمائنا متظافرة على أن nindex.php?page=treesubj&link=1335_1357_1497الطهارة وستر العورة واستقبال الكعبة في الصلاة من الواجبات والصحيح ما قاله القاضي أبو بكر بن العربي من أن وجوبها موسع قبل الوقت وفي الوقت وأن الوجوب فيها ليس تبعا لطرآن السبب الذي هو الزوال ونحوه من أوقات الصلوات بل يقع الوجوب فيها تبعا لطرآن العزم على التهيؤ والاستعداد لإيقاع الصلاة ووقت طرآن هذا العزم ما بين أقرب حدث يحدثه المرء وإيقاع الصلاة والدليل على صحة ذلك أمور الأول انعقاد الإجماع على أن المكلف لو توضأ قبل الوقت واستتر واستقبل القبلة ثم جاء الوقت وهو على تلك الصورة وصلى من غير أن يجدد فعلا ألبتة في هذه الثلاثة أجزأته صلاته الثاني تعذر القول بإجزاء ما ليس بواجب عن الواجب
الثالث لزوم نية الوجوب الرابع أنه لا يلزم أن لا يجب الشرط إلا عند وجوب المشروط إذ لا استحالة في مغايرة سبب المشروط لسبب الشرط كما هنا فإن هذه الأمور وضعية تقع بحسب قصد واضعها ونظير ما هنا من العاديات من يعلم من عادته اضطراره إلى الغذاء في وقت طلوع الشمس ومن شرط الغذاء الذي يتغذى به طبخه فلا بد من تقديم الطبخ الذي هو الشرط على وقت الاغتذاء ثم لا يتعين لذلك الطبخ الزمن المجاور لزمن الاغتذاء بل له تقديم الطبخ والاستعداد به من حين طروء عزمه على الاستعداد وإنما صح ذلك لاستواء حصول المصلحة بالاغتذاء بالقريب الطبخ وهذا على تقدير استواء ذلك بالنسبة إلى حال هذا الشخص وهذا الغذاء والله سبحانه وتعالى أعلم .