الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( القاعدة الثامنة عشر ) التفضيل بالتأثير وله أمثلة :

أحدها تفضيل قدرة الله تعالى على العلم والكلام فإنها مؤثرة في تحصيل وجود الممكنات والعلم والخبر تابعان ليسا بمؤثرين وكذلك السمع والبصر من قبيل العلم وما له التأثير أفضل مما لا تأثير له .

وثانيها تفضيل الإرادة على الحياة فإنها مؤثرة للتخصيص في الممكنات بزمانها وصفاتها الجائزة عليها ، والحياة لا تؤثر إيجادا ولا تخصيصا وليس في صفات الله السبعة مؤثر إلا القدرة والإرادة فقط .

وثالثها تفضيل صاحب الشرع الحياء على ضده وهو القحة فقال الحياء خير كله الحياء لا يأتي إلا بخير الحياء من الإيمان بسبب أن الحياء يؤثر الحث على الخيرات والزجر عن المنكرات ، والقحة لا ينزجر صاحبها عن مكروه ولا تحثه على معروف ولذلك فضل صاحب الشريعة الشجاعة على الجبن بسبب أن الشجاعة تحث على درء الأعداء ونصر الجار ودفع العار ، والجبن لا يأتي معه شيء من ذلك وكذلك فضل صاحب الشريعة السخاء على البخل لكونه من مكارم الأخلاق وجلب القلوب كما ورد الكريم حبيب الله ؛ لأن السخاء يؤثر الحنانة ، والشفقة على المساكين والبخل ليس فيه شيء من ذلك ؛ لأنه من طباع اللئام

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال : ( القاعدة الثامنة عشر التفضيل بالتأثير وله أمثلة أحدها تفضيل قدرة الله تعالى على العلم والكلام ) .

قلت : فيما قاله في هذه القاعدة نظر .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( القاعدة الثامنة عشرة ) التفضيل بالتأثير وله أمثلة :

أحدها تفضيل قدرة الله تعالى من حيث إنها مؤثرة في تحصيل وجود الممكنات ، وإرادته تعالى من حيث إنها مؤثرة للتخصيص في الممكنات بزمانها وصفاتها الجائزة عليها على سائر صفات المعاني السبعة إذ لا تأثير في غيرهما منها .

وثانيها تفضيل صاحب الشرع الحياء على ضده وهو القحة فقال الحياء خير كله الحياء لا يأتي إلا بخير الحياء من الإيمان بسبب أن الحياء يؤثر الحث على الخيرات والزجر عن المنكرات ، والقحة لا ينزجر صاحبها عن مكروه ولا تحثه على معروف .

وثالثها تفضيل صاحب الشرع الشجاعة على الجبن بسبب أن الشجاعة تحث على ردء الأعداء ونصرة الجار ودفع العار ، والجبن لا يأتي معه شيء من ذلك .

ورابعها تفضيل صاحب الشرع السخاء على البخل كما ورد { الكريم حبيب الله } لأن السخاء يؤثر الحنانة ، والشفقة على المساكين فهو من مكارم الأخلاق وجلب القلوب بخلاف البخل فإنه من طباع اللئام كذا قال الأصل وقال ابن الشاط وفيما قاله في هذه القاعدة نظر ا هـ .

قلت : ولعل وجهه أنه في المثال الأول نسب التأثير للقدرة والإرادة وهو لا ينسب حقيقة إلا للذات وقولهم القدرة فعالة مجاز لا كفر ما لم يرد الانفكاك والاستقلال كما في حاشية الأمير على عبد السلام على الجوهرة قال وقد أشار الشارح لذلك كغيره بقوله بها في تعريف القدرة عرفا بأنها صفة أزلية يتأتى بها إيجاد كل ممكن ، وإعدامه على وفق الإرادة ا هـ .

لكن لا يجوز أن يطلق لفظ واسطة ، أو يمثل بالآلة ولله المثل الأعلى وتعالى عما يقول الظالمون وسبحان ربك رب العزة عما يصفون ويقتصر للقاصرين على قولنا الله على كل شيء قدير وما وراء ذلك من فروض الكفاية ، وإلا جاء قول الشاعر :

وكان مضلي من هديت برشده

قال وفي اليواقيت عن ابن عربي في شرح ترجمان الأشواق أن تعلق القدرة بالمقدور من سر القدر ، وسر القدر لا يطلع عليه إلا أفراد لأن الله تعالى قد طوى علمه عن سائر الخلق ما عدا سيدنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ورثه فيه { كأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم سأله يوما أتدري يوم لا يوم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه نعم ذلك يوم المقادير } ، أو كما قال قال ابن عربي وقد أطلعنا الله تعالى عليه بحكم الوراثة المحمدية ولكن لا يسعنا الإفصاح عنه لغلبة منازعة المحجوبين فيه قال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ا هـ بتصرف .

وفي بقية الأمثلة نسب التأثير للأسباب وهو إنما يصح على مذهب الحكماء القائلين بالإيجاب والتعليل والمذهب [ ص: 224 ] الحق أن لا تأثير إلا لله تعالى وأن الربط بين السبب كالنظر الصحيح ومسببه كالنتيجة إما بطريق اللزوم العقلي كالتلازم بين الجوهر والعرض فوجود أحدهما بدون الآخر مستحيل عقلي لا تتعلق به القدرة بل أن يوجدا معا ، أو يعدما معا وقيل : عادي يقبل التخلف كالإحراق عند مس النار فقد تخلف في نحو إبراهيم وقالت المعتزلة بالتولد على أصلهم في الضرب الناشئ عنه القطع ، والتولد أن يوجب الفعل لفاعله شيئا آخر كما في حاشية العلامة الأمير على عبد السلام فتأمل والله أعلم .




الخدمات العلمية