الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
رنة الشيطان

وأما رنة الشيطان، كما قال الحسن، ففي «تفسير ابن مخلد» على ما ذكره إبراهيم بن محمد بن مفلح: أن إبليس رن أربع رنات:

1- رنة حين لعن.

2- ورنة حين أهبط.

3- ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4- ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب.

[ ص: 313 ] قال سعيد بن جبير: لما لعن الله إبليس، تغيرت صورته عن صورة الملائكة، ورن رنة، فكل رنة منها في الدنيا إلى يوم القيامة، رواه ابن أبي حاتم.

وعن ابن عباس، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، رن إبليس رنة اجتمعت إليه جنوده.

قال الحافظ أيضا في «المختارة»: الرنين: الصوت، وقد رن يرن رنينا. وبهذا يظهر معنى قول الحسن.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» رواه أبو داود بإسناد صحيح، وكذا صححه النووي، والذهبي، ورواه أحمد، وابن ماجه.

قال أبو السعادات: قبست العلم واقتبسته: إذا علمته. انتهى.

و«شعبة» أي: طائفة، ومنه الحديث: «الحياء شعبة من الإيمان» أي: جزء منه.

قال شيخ الإسلام: صرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن النجوم من السحر، وقد قال تعالى: ولا يفلح الساحر حيث أتى .

والمعنى: كل ما زاد من تعلم علم النجوم، زاد في السحر، وأن ما يعتقده في النجوم من التأثير باطل، فكذا تأثير السحر باطل.

وللنسائي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: «من عقد عقدة، ثم نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئا وكل إليه» وحسنه ابن مفلح.

قال بعض أهل العلم: إن السحرة إذا أرادوا عمل السحر، عقدوا الخيوط، ونفثوا على كل عقدة حتى ينعقد كل ما يريدون من السحر،قال تعالى: ومن شر النفاثات في العقد يعني: السواحر اللاتي يفعلن ذلك.

[ ص: 314 ] و«النفث» وهو النفخ مع الريق، وهو دون التفل، والنفث: فعل الساحر.

فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور، أو يستعين عليه بالأرواح الخبيثة، نفخ في تلك العقدة نفخا مع ريق، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشر والأذى، مقترن بالريق الممازج لذلك، وقد يساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور، فيصيبه أثر السحر بإذن الله الكوني القدري لا الشرعي. قاله «ابن القيم» رحمه الله.

والحديث نص في أن الساحر مشرك؛ إذ لا يتأتى السحر بدون الشرك، كما حكاه الحافظ عن بعض أهل العلم.

ومن تعلق قلبه شيئا؛ بحيث يعتمد عليه ويرجوه، وكله الله إلى ذلك الشيء، فمن تعلق ربه وإلهه وسيده ومولاه رب كل شيء ومليكه كفاه ووقاه، وحفظه وتولاه، فنعم المولى ونعم النصير. قال تعالى: أليس الله بكاف عبده [الزمر: 36].

ومن تعلق على السحرة والشياطين وغيرهم من المخلوقات، وكله الله إلى من تعلقه، فهلك.

ومن تأمل في أحوال الخلق، ونظر بعين البصيرة، رأى ذلك عيانا، وهذا من جوامع الكلم.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة، القالة بين الناس» رواه مسلم.

العضه -بفتح العين وسكون الضاد- قال أبو السعادات: هكذا يروى في كتب الأحاديث، والذي في كتب الغريب: العضة، بكسر العين وفتح الضاد.

قال الزمخشري: أصلها العضة، فعلة من العض، وهو البهت، فحذفت لامه كما حذفت من السنة والشفة، وتجمع على عضين. ثم فسره بقوله: «وهي النميمة» إلخ.

[ ص: 315 ] فأطلق عليها العضة؛ لأنها لا تنفك عن الكذب والبهتان غالبا. ذكر ذلك القرطبي.

وذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير، قال: يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة.

قال أبو الخطاب في «عيون المسائل»: ومن السحر: السعي بالنميمة والإفساد بين الناس.

قال في «الفروع»: ووجهه أنه يقصد الأذى في كلامه وعمله، على وجه المكر والحيلة، فأشبه السحر، وهذا يعرف بالعرف والعادة أنه يؤثر، وينتج ما يعمله السحر أو أكثر، فيعطى حكمه؛ تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين.

لكن يقال: الساحر إنما يكفر بوصف السحر، وهو أمر خاص، ودليله خاص، وهذا ليس بساحر، وإنما يؤثر عمله ما يؤثره، فيعطى حكمه، إلا فيما اختص به من الكفر، وعدم قبول التوبة. انتهى حاصله.

وهو يدل على تحريم النميمة، وهو مجمع عليه.

قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة، وفيه دليل على أنها من الكبائر.

و«القالة»: قال أبو السعادات: أي: كثرة القول، وإيقاع الخصومة بين الناس، ومنه الحديث «فشت القالة بين الناس».

التالي السابق


الخدمات العلمية