الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما المجانين فلا بأس بدخولهم المسجد إلا أن يخشى تلويثهم له أو شتمهم أو نطقهم بما هو فحش أو تعاطيهم لما هو منكر في صورته ككشف العورة وغيره وأما المجنون الهادئ الساكن الذي قد علم بالعادة سكونه وسكوته فلا يجب إخراجه من المسجد .

والسكران في معنى المجنون ، فإن خيف منه القذف أعني القيء أو الإيذاء باللسان وجب إخراجه .

وكذا لو كان مضطرب العقل ، فإنه يخاف ذلك منه وإن كان قد شرب ولم يسكر ، والرائحة منه تفوح فهو منكر مكروه شديد الكراهة .

وكيف لا ومن أكل الثوم والبصل فقد نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حضور المساجد ولكن يحمل ذلك على الكراهة ، والأمر في الخمر أشد .

فإن قال قائل ينبغي أن يضرب السكران ، ويخرج من المسجد زجرا قلنا لا بل ينبغي أن يلزم القعود في المسجد ويدعى إليه ويؤمر بترك الشرب مهما كان في الحال عاقلا فأما ضربه للزجر فليس ذلك إلى الآحاد بل هو إلى الولاة ، وذلك عند إقراره أو شهادة شاهدين فأما لمجرد الرائحة فلا .

نعم إذا كان يمشي بين الناس متمايلا بحيث يعرف سكره فيجوز ضربه في المسجد وغير المسجد منعا له عن إظهار أثر السكر ، فإن إظهار أثر الفاحشة فاحشة ، والمعاصي يجب تركها ، وبعد الفعل يجب سترها وستر آثارها ، فإن كان مستترا مخفيا لأثره فلا يجوز أن يتجسس عليه .

والرائحة قد تفوح من غير شرب ، بالجلوس في موضع الخمر وبوصوله إلى الفم دون الابتلاع فلا ينبغي أن يعول عليه .

التالي السابق


(وأما المجانين فلا بأس بدخولهم المسجد إلا أن يخشى تلويثهم له) بنحو مخاط أو بول أو غير ذلك، (أو شتمهم ونطقهم بما هو فحش أو تعاطيهم لما هو منكر) وفي نسخة لأمر هو منكر (فى صورته ككشف العورة وغيرها) ، فإن هذا من شأنهم في الأغلب، فإن خشي شيء من ذلك وجب المنع، (فأما المجنون الهادئ الساكن الذي قد علم بعادته سكونه وسكوته فلا يجب إخراجه من المسجد) لزوال العلة، (والسكران في معنى المجنون، فإن خيف منه القذف أعني القيء والإيذاء باللسان وجب إخراجه، وكذا لو كان مضطرب العقل، فإنه يخاف ذلك منه) لعدم ثبات عقله، (وإن كان قد شرب ولم يسكر، والرائحة تفوح) منه، (فهو منكر مكروه شديد الكراهة) ، فيجب أن يمنع من الدخول، (وكيف لا ومن أكل الثوم فقد نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حضور المسجد) .

فقد روى البخاري ومسلم وابن حبان من حديث جابر: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس.

وروى أحمد ومسلم من حديث أبي سعيد: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا في المسجد.

وروى عبد الرزاق والطبراني من حديث العلاء بن خباب بمثل رواية الشيخين عن جابر إلى قوله: فلا يقربن مسجدنا وزاد يعني الثوم، ورواه أحمد والطبراني أيضا من حديث معقل بن يسار بلفظ: فلا يقربن مصلانا، وزاد الطبراني من حديث المغيرة: إلا عن عذر، وقد روي أيضا مثل هذا في حق البصل والكراث والفجل، (ولكن يحمل هذا على الكراهة، والأمر في الخمر أشد) من الثوم والبصل، (فإن قال قائل ينبغي أن يضرب السكران في المسجد، ويخرج من المسجد زجرا) له (قلنا لا) يضرب ولا يزجر (بل ينبغي أن يلزم القعود في المسجد ويدعى إليه ويؤمر بترك الشرب مهما كان في الحال عاقلا) يعني ما يقال له، (فأما ضربه للزجر فليس ذلك إلى الآحاد) من الرعية (بل هو) موكول (إلى الولاة، وذلك عند إقراره) بنفسه (أو شهادة شاهدين فأما مجرد الرائحة فلا) لجواز أن يكون أكل العنب المحمض في خل، فإنه إذا تجشأ تشم منه رائحة تشبه رائحة النبيذ المسكر (نعم إذا كان يمشي بين الناس متمايلا) يمينا وشمالا (بحيث يعرف سكره) بقرينة أحواله، (فيجوز ضربه في المسجد وغير المسجد) ، وفي إقامة الحدود في المساجد اختلاف بين العلماء، (منعا له من إظهار أثر السكر، فإن إظهار أثر الفاحشة فاحشة، والمعاصي يجب تركها، وبعد الفعل يجب سترها وستر آثارها، فإن كان مستترا مخفيا) لحاله (ولأثره فلا يجوز أن يتجسس عليه) [ ص: 57 ] كما تقدم، (والرائحة قد تفوح) وتظهر (من غير شرب، إما بالجلوس في موضع) فتعبق في ثيابه، (و) إما (بوصوله إلى الفم دون الابتلاع فلا ينبغي أن يعول عليه) اعلم أن إقامة حد الشرب بمجرد الرائحة هو مذهب مالك، وحكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستدل عليه بفعل ابن مسعود فيما أخرجه الشيخان والنسائي من طريق الأعمش عن إبراهيم بن علقمة أن ابن مسعود قرأ سورة يوسف بحمص فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فدنا منه عبد الله فوجد منه رائحة الخمر، فقال: أتكذب بالحق وتشرب الرجس، لا أدعك حتى أجلدك حدا. قال: فضربه الحد وقال: والله لهكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رواية عن أحمد إذا لم يدع شبهة، وذهب أبو حنيفة والثوري والشافعي وأحمد في المشهور عنه إلى أنه لا يجب الحد بذلك، وحملوا هذا الحديث على أن الرجل اعترف بشرب الخمر بلا عذر، ومجرد الريح لا يدل على شيء لاحتمال النسيان والاشتباه والإكراه، والله أعلم .




الخدمات العلمية