الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وفاة الإمام أبي حنيفة وذكر ترجمته

وفيها توفي الإمام أبو حنيفة .

ذكر ترجمته

هو الإمام أبو حنيفة ، واسمه النعمان بن ثابت التيمي ، مولاهم الكوفي ، [ ص: 416 ] فقيه العراق ، وأحد أئمة الإسلام ، والسادة الأعلام ، وأحد أركان العلماء ، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة ، وهو أقدمهم وفاة; لأنه أدرك عصر الصحابة ، ورأى أنس بن مالك ، قيل : وغيره . وذكر بعضهم أنه روى عن سبعة من الصحابة . فالله أعلم .

وهم أنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن أنيس ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، ومعقل بن يسار ، وواثلة بن الأسقع ، وعائشة بنت عجرد ، رضي الله عنهم . وقد روينا عن أبي حنيفة عن هؤلاء عدة أحاديث ، في صحتها إلى أبي حنيفة نظر; فإن في الإسناد إليه من لا يعرف ، وفي متن بعضها نكارة شديدة . فالله أعلم .

وأخبرنا شيخنا الرحلة أبو العباس الحجار ، عن الزبيدي ، وهو الحسين بن المبارك البغدادي ، عن والده ، عن أبي المكارم عبيد الله بن الحسين الشعري ، عن محمد بن منصور ، عن الخطيب أبي الحسن علي بن أحمد ، عن القاضي أبي سعيد صاعد بن محمد ، عن أبي مالك نصرويه بن أحمد البلخي ، عن الحسين بن إبراهيم العياني ، عن أبي الحسين علي بن الخطيب ، عن أبي الحصر علي بن بدر عن هلال بن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي حنيفة ، عن أنس مرفوعا : من قال : لا إله إلا الله . خالصا مخلصا من قلبه دخل الجنة ، ولو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير; تغدو خماصا وتعود بطانا .

وعن جابر : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم [ ص: 417 ] ومسلمة .

وعن عبد الله بن أنيس مرفوعا : رأيت في عارضتي الجنة مكتوبا ثلاثة أسطر بالذهب الأحمر ، لا بماء الذهب; السطر الأول : لا إله إلا الله محمد رسول الله . الثاني : الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن ، فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين . الثالث : وجدنا ما عملنا ، ربحنا ما قدمنا ، خسرنا ما خلفنا ، قدمنا على رب غفور .

وعن عبد الله بن أبي أوفى ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حبك للشيء يعمي ويصم ، والدال على الخير كفاعله ، وإن الله يحب إغاثة الملهوف . وفي لفظ : " اللهفان " .

وعن عبد الله بن الحارث بن جزء مرفوعا : إغاثة الملهوف فرض على كل مسلم ، ومن تفقه في دين الله كفاه الله همه ، ورزقه من حيث لا يحتسب .

وعن معقل بن يسار مرفوعا : علامة المؤمن ثلاث; إذا قال صدق ، وإذا وعد وفى ، وإذا حدث لم يخن .

وعن واثلة مرفوعا : لا يظنن أحدكم أنه يتقرب إلى الله بأقرب من هذه الركعات . يعني الصلوات الخمس .

وعن عائشة بنت عجرد مرفوعا : الجراد أكثر جنود الله في الأرض ، لا آكله .

وروى عن جماعة من التابعين منهم; الحكم ، وحماد بن أبي سليمان ، [ ص: 418 ] وسلمة بن كهيل ، وعامر الشعبي ، وعكرمة ، وعطاء ، وقتادة ، والزهري ، ونافع مولى ابن عمر ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وأبو إسحاق السبيعي .

وروى عنه جماعة منهم; ابنه حماد ، وإبراهيم بن طهمان ، وإسحاق بن يوسف الأزرق ، وأسد بن عمرو القاضي ، والحسن بن زياد اللؤلؤي ، وحمزة الزيات ، وداود الطائي ، وزفر ، وعبد الرزاق ، وأبو نعيم ، ومحمد بن الحسن الشيباني ، وهشيم ، ووكيع ، وأبو يوسف القاضي .

قال يحيى بن معين : كان ثقة ، وكان من أهل الصدق ، ولم يتهم بالكذب ، ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون قاضيا . قال : وقد كان يحيى بن سعيد يختار قوله في الفتوى ، وكان يحيى يقول : لا نكذب الله ، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة ، وقد أخذ بأكثر أقواله .

وقال عبد الله بن المبارك : لولا أن الله أغاثني بأبي حنيفة وسفيان الثوري لكنت كسائر الناس .

وقال الشافعي عن مالك : رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته .

[ ص: 419 ] وقال الشافعي : من أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة ، ومن أراد السيرة فهو عيال على محمد بن إسحاق ، ومن أراد الحديث فهو عيال على مالك ، ومن أراد التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان .

وقال عبد الله بن داود الخريبي : ينبغي للناس أن يدعوا في صلاتهم لأبي حنيفة; لحفظه الفقه والسنن عليهم .

وقال سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك : كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه .

وقال أبو نعيم : كان صاحب غوص في المسائل .

وقال مكي بن إبراهيم : كان أعلم أهل الأرض .

وروى الخطيب البغدادي بسنده عن أسد بن عمرو ، أن أبا حنيفة كان يصلي في الليل ، ويقرأ القرآن في كل ليلة ، ويبكي حتى يرحمه جيرانه ، ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء ، وأنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة ، وكانت وفاته في رجب من هذه السنة - أعني سنة [ ص: 420 ] خمسين ومائة - وعن ابن معين : سنة إحدى وخمسين ومائة . وقال غيره : سنة ثلاث وخمسين . والصحيح الأول .

وكان مولده في سنة ثمانين ، فتم له من العمر سبعون سنة ، وصلي عليه ببغداد ست مرات; لكثرة الزحام ، وقبره هناك ، رحمه الله .

التالي السابق


تفسير الأية

ترجمة العلم

عناوين الشجرة

تخريج الحديث