الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي [ ص: 308 ] الأصبهاني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب كتاب " الأغاني " وكتاب " أيام العرب " ذكر فيه ألفا وسبعمائة يوم من أيامهم ووقائعهم ، وكان شاعرا أديبا كاتبا ، عالما بالأخبار وأيام الناس ، إلا أنه كان يتشيع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : ومثله لا يوثق به ; فإنه يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق ، ويهون شرب الخمر ، وربما حكى ذلك عن نفسه ، ومن تأمل كتاب " الأغاني " رأى كل قبيح ومنكر . وقد روى الحديث عن محمد بن عبد الله مطين وخلق ، وروى عنه الدارقطني وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي في ذي الحجة من هذه السنة . وقال ابن خلكان وقيل : في التي بعدها ، وكان مولده في سنة أربع وثمانين ومائتين ، التي توفي فيها البحتري الشاعر . وقد ذكر له مصنفات عديدة ; منها " الأغاني " " والديارات " ، و " أيام العرب " ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سيف الدولة بن حمدان ، صاحب حلب أبو الحسن علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي الربعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الملقب بسيف [ ص: 309 ] الدولة ، أحد الأمراء الشجعان ، والملوك الكثيري الإحسان ، على ما كان فيه من تشيع ، وقد ملك دمشق في بعض الأوقات ، واتفق له أشياء غريبة ; منها أن خطيبه كان مصنف " الخطب النباتية " أحد الفصحاء البلغاء ، وشاعره المتنبي ، ومطربه أبو نصر الفارابي . وكان كريما جوادا معطيا للجزيل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره في أخيه ناصر الدولة صاحب الموصل :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رضيت لك العليا وقد كنت أهلها وقلت لهم بيني وبين أخي فرق     وما كان لي عنها نكول وإنما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجاوزت عن حقي فتم لك الحق     أما كنت ترضى أن أكون مصليا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد جرى في دمعه دمه     فإلى كم أنت تظلمه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رد عنه الطرف منك فقد     جرحته منك أسهمه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كيف يستطيع التجلد من     خطرات الوهم تؤلمه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان سبب موته الفالج ، وقيل : عسر البول . وتوفي بحلب ، وحمل تابوته إلى ميافارقين فدفن بها وعمره ثلاث وخمسون سنة ، وقام بملك حلب من بعده ولده سعد الدولة أبو المعالي شريف ، ثم تغلب عليه مولى أبيه قرعويه ، فأخرجه من حلب إلى أمه بميافارقين ، ثم عاد إليها كما سيأتي بيانه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 310 ] وذكر ابن خلكان شيئا كثيرا مما قاله سيف الدولة وقيل فيه ، قال : ولم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من الشعراء . وقد أجاز لجماعة من الكبار منهم ; كالمتنبي والخالديين ، والسري الرفاء ، والنامي ، والببغاء ، والوأواء ، وغيرهم . وذكر ابن خلكان أنه ولد سنة ثلاث - وقيل : إحدى - وثلاثمائة ، وأنه ملك حلب بعد الثلاثين وثلاثمائة ، وكان قبل ذلك يملك واسطا ونواحيها ، ثم تنقلت به الأحوال حتى ملك حلب - انتزعها من يد أحمد بن سعيد الكلابي صاحب الإخشيد - وملك دمشق في وقت . وقد قال يوما لندمائه : أيكم يجيز قولي ، وما أظن أحدا منكم يجيزه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لك جسمي تعله     فدمي لم تحله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال أبو فراس أخوه بديهة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال إن كنت مالكا     فلي الأمر كله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كافور الإخشيدي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مولى محمد بن طغج الإخشيد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قام [ ص: 311 ] بالأمر من بعده مولاه لصغر أولاده ، فملك كافور مصر ودمشق ، وناوأ سيف الدولة وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كتب على قبره :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      انظر إلى غير الأيام ما صنعت     أفنت أناسا بها كانوا وما فنيت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دنياهم ضحكت أيام دولتهم     حتى إذا فنيت ناحت لهم وبكت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي القالي ، صاحب " الأمالي " إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سليمان ، أبو علي القالي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اللغوي الأموي مولاهم ; لأن سليمان هذا كان مولى لعبد الملك بن مروان ، والقالي نسبة إلى قاليقلا ويقال : إنها أرزن الروم ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان مولده بمنازجرد من أرض الجزيرة من ديار بكر وسمع الحديث على أبي يعلى الموصلي وغيره ، وأخذ النحو واللغة عن ابن دريد وأبي بكر بن الأنباري ونفطويه وغيرهم ، وصنف " الأمالي " وهو مشهور ، وكتاب " البارع " على حروف المعجم ، في خمسة آلاف ورقة ، وغير ذلك من المصنفات في اللغة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودخل بغداد وسمع بها ، ثم ارتحل إلى قرطبة فدخلها في سنة ثلاثين [ ص: 312 ] وثلاثمائة ، واستوطنها ، وصنف كتبا كثيرة فيها ، إلى أن توفي بها في هذه السنة عن ثمان وستين سنة . قاله ابن خلكان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي أبو علي محمد بن إلياس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب بلاد كرمان ومعاملاتها ، فأخذ عضد الدولة بن ركن الدولة بلاد كرمان من أولاد محمد بن إلياس ، وهم ثلاثة ; اليسع ، وإلياس ، وسليمان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والملك الكبير وشمكير ، كما قدمنا ذكره في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الملوك :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحسن بن الفيرزان صاحب بلاد جرجان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومعز الدولة بن بويه الديلمي ، كما تقدم ذكره

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسيف الدولة بن حمدان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب حلب كما قدمنا ذكر ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأثير : وفيها هلك النقفور ملك الروم ، يعني الدمستق ، صاحب بلاد الأرمن ، وقد ذكرنا ترجمته وما ورد عنه من الشعر ، وأوردنا جوابها للإمام العلامة أبي محمد بن حزم الفقيه الظاهري ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي بها كافور الإخشيدي في قول ابن خلكان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية