الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دخول جوهر القائد إلى الديار المصرية

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودخل أبو الحسن جوهر القائد الرومي في جيش كثيف ، من جهة المعز الفاطمي إلى ديار مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من شعبان ، فلما كان يوم الجمعة خطب للمعز الفاطمي على منابر الديار المصرية وسائر أعمالها ، وأمر جوهر المؤذنين بالجامع العتيق وبجامع ابن طولون أن يؤذنوا بحي على خير العمل ، وأن يجهر الأئمة بالبسملة ، وذلك أنه لما توفي كافور [ ص: 318 ] الإخشيدي لم يبق بمصر من تجتمع القلوب عليه ، وأصابهم غلاء شديد أضعفهم ، فلما بلغ ذلك المعز وهو ببلاد إفريقية بعث جوهرا القائد الرومي مولى أبيه المنصور في جيش كثيف إلى الديار المصرية ، فلما بلغ ذلك أصحاب كافور هربوا منها قبل وصول جوهر إليها ، فدخلها فأخذها بلا ضربة ولا طعنة ولا ممانعة ، ففعل ما ذكرنا من الأمور ، واستقرت أيديهم على تلك البلاد بعد كافور الإخشيدي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة شرع جوهر القائد في بناء القاهرة المعزية ، وبناء القصرين عندها ، على ما سنذكره . وهيأ الإقامات لمولاه المعز الفاطمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأرسل جوهر جعفر بن فلاح في جيش كثيف إلى الشام فاقتتلوا قتالا شديدا ، وكان بدمشق الشريف أبو القاسم بن أبي يعلى الهاشمي ، وكان مطاعا فيهم ، فحاجف عن العباسيين مدة طويلة ، ثم آل الحال إلى أن خطب للمعز بدمشق ، وحمل الشريف أبو القاسم إلى الديار المصرية ، وأسر الحسن بن عبد الله بن طغج وجماعة من الأمراء فحملوا إلى الديار المصرية ، فحملهم جوهر إلى المعز بإفريقية ، واستقرت يد الفاطميين على دمشق في سنة ستين ، كما سيأتي ، وأذن فيها : حي على خير العمل ، أكثر من سبعين سنة ، وكتبت لعنة [ ص: 319 ] الشيخين - رضي الله عنهما ولعن من لعنهما - على أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يزل ذلك كذلك حتى أزالت ذلك دولة الأتراك ، على ما سيأتي بيانه وتفصيله في موضعه ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها دخلت الروم إلى حمص فوجدوا أكثر أهلها قد جلوا عنها وانتقلوا منها ، فحرقوها وأسروا ممن بقي فيها ومن حولها نحوا من مائة ألف إنسان ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي الحجة نقل عز الدولة والده معز الدولة بن بويه من داره إلى تربته بمقابر قريش .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان على ما ذكره ابن الجوزي في " منتظمه " كافور الإخشيدي ; قال ابن الجوزي : وقد رأيت مدح المتنبي لكافور تحمل الذم والمدح ، وكأنه تلعب به ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية