الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل ( مدة حصاره رضي الله عنه )

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانت مدة حصر عثمان ، رضي الله عنه ، في داره أربعين يوما على [ ص: 322 ] المشهور . وقيل : كانت بضعا وأربعين يوما . وقال الشعبي : كانت ثنتين وعشرين ليلة . ثم كان قتله ، رضي الله عنه ، في يوم الجمعة بلا خلاف . قال سيف بن عمر عن مشايخه : في آخر ساعة منها . ونص عليه مصعب الزبيري وآخرون . وقال آخرون : ضحوة . وهذا أشبه . وكان ذلك لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة على المشهور . وقيل : في أيام التشريق . رواه ابن جرير : حدثني أحمد بن زهير ، ثنا أبو خيثمة ، ثنا وهب بن جرير قال : سمعت أبي قال : سمعت يونس بن يزيد ، عن الزهري قال : قتل عثمان فزعم بعض الناس أنه قتل في أيام التشريق - ورواه عبد الله بن أحمد ، عن عبيد الله بن معاذ ، عن معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عثمان قال : قتل عثمان في أوسط أيام التشريق - وقال بعضهم : قتل يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة . وقيل : قتل يوم النحر . حكاه [ ص: 323 ] ابن عساكر . ويستشهد له بقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : والأول هو الأشهر . وهو أنه قتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، على الصحيح المشهور . وقيل : سنة ست وثلاثين . قاله مصعب الزبيري وطائفة . وهو غريب . فكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما ; لأنه بويع له في مستهل المحرم سنة أربع وعشرين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأما عمره ، رضي الله عنه ، فإنه جاوز الثمانين على المشهور . فقيل : إحدى وثمانين سنة . وقال الواقدي وغير واحد : توفي عن ثنتين وثمانين سنة . وقال صالح بن كيسان : وأشهر . وقيل : أربع وثمانين سنة . وقال [ ص: 324 ] أحمد ، عن حسن بن موسى ، حدثنا أبو هلال ، عن قتادة : توفي عثمان عن ثمان وثمانين أو تسعين سنة . وفي رواية عنه : توفي عن ست وثمانين سنة . وعن هشام بن الكلبي : توفي عن خمس وسبعين سنة . وهذا غريب جدا . وأغرب منه ما رواه سيف بن عمر عن مشايخه ; وهم محمد وطلحة وأبو عثمان وأبو حارثة أنهم قالوا : قتل عثمان ، رضي الله عنه عن ثلاث وستين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما موضع قبره فلا خلاف أنه دفن بحش كوكب - شرقي البقيع - وقد بني عليه زمان بني أمية قبة عظيمة وهي باقية إلى اليوم . قال الإمام مالك : بلغني أن عثمان ، رضي الله عنه ، كان يمر بمكان قبره من حش كوكب فيقول : إنه سيدفن هاهنا رجل صالح

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      . وقد ذكر ابن جرير أن عثمان ، رضي الله عنه ، بقي بعد أن قتل ثلاثة أيام لا يدفن . قلت : وكأنه اشتغل الناس عنه بمبايعة علي ، رضي الله عنه حتى تمت . وقيل : إنه مكث ليلتين . وقيل : بل دفن من ليلته . ثم كان دفنه ما بين المغرب والعشاء خيفة من الخوارج . وقيل : بل استؤذن في ذلك بعض رؤسائهم . [ ص: 325 ] فخرجوا به في نفر قليل من الصحابة ; منهم حكيم بن حزام ، وحويطب بن عبد العزى ، وأبو الجهم بن حذيفة ، ونيار بن مكرم الأسلمي ، وجبير بن مطعم ، وزيد بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وطلحة ، والزبير ، وعلي بن أبي طالب ، وجماعة من أصحابه ونسائه ; منهن امرأتاه نائلة وأم البنين بنت عيينة بن حصن ، وصبيان . وهذا مجموع من كلام الواقدي وسيف بن عمر التميمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : صلى الزبير على عثمان ودفنه وكان أوصى إليه . وروى عبد الله من طريق إبراهيم بن عبد الله بن فروخ ، عن أبيه : شهدت عثمان دفن في ثيابه بدمائه ولم يغسل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحمله جماعة من خدمه بعد ما غسلوه وكفنوه . وزعم بعضهم أنه لم يغسل ولم يكفن . والصحيح الأول . وصلى عليه جبير بن مطعم . وقيل : الزبير بن العوام . وقيل : حكيم بن حزام . وقيل : مروان بن الحكم . وقيل : المسور بن مخرمة . وقد عارضه بعض الخوارج وأرادوا رجمه وإلقاءه عن سريره ، [ ص: 326 ] وعزموا على أن يدفن بمقبرة اليهود بدير سلع ، حتى بلغ علي بن أبي طالب ، فبعث إليهم من نهاهم عن ذلك ، وحمل جنازته حكيم بن حزام ، وأبو جهم بن حذيفة ، ونيار بن مكرم ، وجبير بن مطعم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الواقدي أنه لما وضع ليصلى عليه - عند مصلى الجنائز - أراد بعض الأنصار أن يمنعهم من ذلك ، فقال أبو جهم بن حذيفة : ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته . ثم قالوا : لا يدفن في البقيع ، ولكن ادفنوه وراء الحائط . فدفنوه شرقي البقيع تحت نخلات هناك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الواقدي أن عمير بن ضابئ نزا على سريره وهو موضوع للصلاة عليه ، فكسر ضلعا من أضلاعه ، وقال : أحبست ضابئا حتى مات في السجن ؟ وقد قتل الحجاج فيما بعد عمير بن ضابئ هذا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري في " التاريخ " : حدثنا موسى بن إسماعيل ، عن عيسى بن منهال ، ثنا غالب ، عن محمد بن سيرين قال : كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول : اللهم اغفر لي . وما أظن أن تغفر لي . فقلت : يا عبد الله ما سمعت أحدا [ ص: 327 ] يقول ما تقول . قال : كنت أعطيت الله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته ، فلما قتل وضع على سريره في البيت والناس يجيئون فيصلون عليه ، فدخلت كأني أصلي عليه فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه فلطمته ، وسجيته ، وقد يبست يميني . قال ابن سيرين : فرأيتها يابسة كأنها عود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم خرجوا بعبدي عثمان اللذين قتلا في الدار ; وهما صبيح ونجيح ، رضي الله عنهما ، فدفنا إلى جانبه بحش كوكب . وقيل : إن الخوارج لم يمكنوا من دفنهما ، بل جروهما بأرجلهما حتى ألقوهما بالبلاط فأكلتهما الكلاب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد اعتنى معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان ، ورفع الجدار بينه وبين البقيع ، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله حتى اتصلت بمقابر المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية