الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وربائبكم اللاتي في حجوركم ) ظاهره أنه يشترط في تحريمها أن تكون في حجره ، وإلى هذا ذهب علي ، وبه أخذ داود وأهل الظاهر . فلو لم تكن في حجره وفارق أمها بعد الدخول جاز له أن يتزوجها . قالوا : حرم الله الربيبة بشرطين : أحدهما : أن تكون في حجر الزوج . الثاني : الدخول بالأم . فإذا فقد أحد الشرطين لم يوجد التحريم . واحتجوا بقوله : ( لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها ابنة أخي من الرضاعة ) فشرط الحجر . وقال الطحاوي وغيره : إضافتهن إلى الحجور حملا على أغلب ما يكون الربائب ، وهي محرمة وإن لم تكن في الحجر . وقال الزمخشري : فإن قلت : ما فائدة قوله : في حجوركم ؟ قلت : فائدته التعليل [ ص: 212 ] للتحريم ، وأنهن لاحتضانكم لهن ، أو لكونهن بصدد احتضانكم . وفي حكم التقلب في حجوركم إذا دخلتم بأمهاتهن ، وتمكن حكم الزواج بدخولكم جرت أولادهن مجرى أولادكم ، كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم . انتهى . وفيه بعض اختصار .

( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) ظاهر هذا أنه متعلق بقوله : وربائبكم فقط . واللاتي : صفة ل ( نسائكم ) المجرور بـ ( من ) ، ولا جائز أن يكون ( اللاتي ) وصفا ل ( نسائكم ) من قوله : وأمهات نسائكم ، و ( نسائكم ) المجرور بـ ( من ) ، لأن العامل في المنعوتين قد اختلف : هذا مجرور بمن ، وذاك مجرور بالإضافة . ولا جائز أن يكون ( من نسائكم ) متعلقا بمحذوف ينتظم أمهات نسائكم وربائبكم ، لاختلاف مدلول حرف الجر إذ ذاك ، لأنه بالنسبة إلى قوله : وأمهات نسائكم يكون من نسائكم لبيان النساء ، وتمييز المدخول بها من غير المدخول بهن . وبالنسبة إلى قوله : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، يكون ( من نسائكم ) لبيان ابتداء الغاية ؛ كما تقول : هذا ابني من فلانة . قال الزمخشري : إلا أن أعلقه بالنساء والربائب ، وأجعل ( من ) للاتصال كقوله تعالى : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض )

فإني لست منك ولست مني ما أنا من دد ولا الدد مني

وأمهات النساء متصلات بالنساء ، لأنهن أمهاتهن . كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن ، لأنهن بناتهن . انتهى . ولا نعلم أحدا ذهب إلى أن من معاني ( من ) الاتصال . وأما ما شبه به من الآية والشعر والحديث ، فمتأول : وإذا جعلنا ( من نسائكم ) متعلقا بالنساء والربائب كما زعم الزمخشري . فلا بد من صلاحيته لكل من النساء والربائب . فأما تركيبه مع الربائب ففي غاية الفصاحة والحسن ، وهو نظم الآية . وأما تركيبه مع قوله : وأمهات نسائكم ، فإنه يصير : وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فهذا تركيب لا يمكن أن يقع في القرآن ، ولا في كلام فصيح ، لعدم الاحتياج في إفادة هذا المعنى إلى قوله : من نسائكم . والدخول هنا كناية عن الجماع لقولهم : بنى عليها ، وضرب عليها الحجاب .

والباء للتعدية ، والمعنى : اللاتي أدخلتموهن الستر ، قاله : ابن عباس ، و طاوس ، وابن دينار . فلو طلقها بعد البناء وقبل الجماع ، جاز أن يتزوج ابنتها . وقال عطاء ، و مالك ، وأبو حنيفة ، و الثوري ، و الأوزاعي ، و الليث : إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها ، وحرمت على الأب والابن ، وهو أحد قولي الشافعي . واختلفوا في النظر إليها بشهوة ، فقال ابن أبي ليلى : لا يحرم النظر حتى تلمس ، وهو قول الشافعي . وقال مالك : يحرم النظر إلى شعرها ، أو شيء من محاسنها بلذة . وقال الكوفيون : يحرم النظر إلى فرجها بشهوة . وقال الثوري : يحرم إذا كان تعمد النظر إلى فرجها ، ولم يذكر الشهوة . وقال عطاء ، و حماد بن أبي سليمان : إذا نظر إلى فرج امرأة فلا ينكح أمها ولا ابنتها ، وعدوا هذا الحكم إلى الإماء . وقال الحسن : إذا ملك الأمة وغمزها بشهوة ، أو كشفها ، أو قبلها ، لا تحل لولده بحال . وأمر مسروق أن تباع جاريته بعد موته وقال : أما إني لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدي من اللمس والنظر . وجرد عمر أمة خلا بها فاستوهبها ابن له ، فقال : لا تحل لك .

التالي السابق


الخدمات العلمية