الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا استكمل سبع سنين ذكرا كان أو أنثى وهو يعقل عقل مثله خير ، وقال في كتاب النكاح القديم : إذا بلغ سبعا أو ثمان سنين خير إذا كانت دارهما واحدة وكانا جميعا مأمونين على الولد ، فإن كان أحدهما غير مأمون فهو عند المأمون منهما حتى يبلغ " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا ثبت تخيير الولد بين أبويه في زمان الكفالة وبعد خروجه من حد الحضانة ، فهو معتبر بشروط في الولد وشروط في الأبوين ، فأما الشروط المعتبرة في الولد فثلاثة :

                                                                                                                                            أحدها : الحرية ، فإن كان عبدا فلا كفالة لأبويه سواء كانا حرين أو مملوكين ، وسيده أحق به ملكا لا كفالة ، وعليه أن يقوم له بما عجز عنه ، فإن كانت أمه ملكا لسيده لم يجز أن يفرق بينهما في زمان الحضانة ، وفي جواز التفرقة بينهما في زمان الكفالة ما بين سبع والبلوغ على قولين ، وإن كان أبوه ملكا لسيده ، ففي إجراء حكم الأم عليه في المنع من التفرقة بينهما وجهان : فلو بعض الولد حرا وبعضه مرقوقا خير بين أبويه بما فيه من الحرية إذا كانا حرين ، فإذا اختار أحدهما اجتمع مع سيده المالك لرقه على ما يتفقان عليه في كفالته من اشتراط فيها أو مهايأة عليها أو استنابة فيها ، فإن تنازعا اختار الحاكم لهما أمينا ينوب عنهما في كفالته .

                                                                                                                                            والشرط الثاني : أن يميز ويعقل عقل مثله ليكون متصورا حظ نفسه في الاختيار ، فإن كان مخبولا أو مجنونا لا يميز بين منافعه ومضاره لم يخير ، وكان مع أمه كحاله في زمان الحضانة ، فإن كان مريضا لم يمنع المرض من تخييره لصحة تمييزه ومعرفته بحظ نفسه .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : انتهاؤه إلى السن التي يستحق التخيير فيها ، قال الشافعي : هاهنا [ ص: 502 ] في سبع سنين ، وقال في كتاب عشرة النساء من النكاح القديم : إذا بلغ سبعا أو ثماني سنين خير ، وليس ذلك على اختلاف قولين ، وإنما هو على اختلاف حالين في مراعاة أمره في ضبطه وتحصيله ومعرفته أسباب الاختيار ، فإن تقدم ذلك فيه ووجد لسبع لفرط ذكائه ، وإن تأخر لبعد فطنته خير في الثامنة عند ظهور ذلك فيه ويكون موكولا إلى رأي الحاكم واجتهاده عند الترافع إليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية