الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل ومال بيت المال إن علمه حلالا أو حراما ، أو علمهما فيه ، أو شك في الحرام فيه ، فالحكم على ما سبق ، فلا يتجه إطلاق الحكم فيه ، لكن خرج الكلام على الغالب ، والغالب أن فيه حلالا وحراما ، وفيه الخلاف المشهور السابق ، فلهذا كثر الاختلاف فيه ، قال جماعة من أصحابنا : يجوز العمل مع السلطان وقبول جوائزه ، وقيده في الترغيب بالعادل ، وقيده في التبصرة بمن غلب عدله ، وأنها تكره ، في رواية ، وقيل للإمام أحمد في جائزته ومعاملته ، فقال : أكرههما ، وجائزته أحب إلي من الصدقة ، وقال : هي خير من صلة الإخوان ، وأجرة التعليم خير منهما ، ذكره شيخنا .

                                                                                                          وقال أيضا : ليس بحرام .

                                                                                                          وقال أيضا : يموت بدينه ولا يعمل معهم ، وقال بهجرانه ، ويخرجه إن لم ينته ، وهجر أحمد أولاده وعمه وابن عمه لما أخذوها ، قال القاضي : وهو يقتضي جواز الهجر بأخذ الشبهة ، وإنما أجازه ; لأن الصحابة رضي الله عنهم هجرت بما في معناه ، كهجر ابن مسعود من ضحك في جنازة ، وحذيفة بشد الخيط للحمى ، وعمر أمر بهجر صبيغ بسؤاله عن الذاريات والمرسلات [ ص: 662 ] والنازعات .

                                                                                                          وقال ابن الزبير : لتنته عائشة أو لأحجرن عليها . فهجرته .

                                                                                                          وقال الخلال : كأن أحمد توسع على من أخذها لحاجة ، فلما أخذوها مع الاستغناء هجرهم ثم كلمهم ، وهو عندي على غير قطع المصارمة ; لأنهم وإن استغنوا فلهم حجة قوية ، وقيل لأحمد : ترى أن يعيد من حج من الديوان ؟ قال : نعم ، وكذا كره معاملة الجندي وإجابة دعوته ، ومراده من يتناول الحرام الظالم .

                                                                                                          ونقل عبد الله بن محمد فوران عن أحمد في المال الحلال والحرام ، فالزهري ومكحول قالا : كل ، فهذا عندي من مال السلطان ، كما قال علي عليه السلام : بيت المال يدخله الخبيث والطيب فيصل إلى الرجل فيأكل منه ، فإما حلال وحرام من ميراث أو أفاد ذلك رجل مالا فإنه يرد على أصحابه ، فإن لم يعرفهم ولم يقدر عليهم تصدق به ، قال بعضهم : لأن بيت المال لا مستحق له معين حتى يرد عليه ، ولعموم البلوى به ، وامتنع جماعة من التابعين فمن بعدهم من بيت المال ، وعلله بعض السلف بأن باقي المستحقين لم يأخذ ، قاله ابن الجوزي ، قال : وليس بشيء ; لأنه يأخذ حقه ويبقى حق أولئك ، مقام معلوم في مقام مظلوم ، وليس المال مشتركا ، وقبل منه ابن عمر وابن عباس وعائشة [ ص: 663 ] والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم ، وجماعة من التابعين وغيرهم ، ومالك والشافعي ، وسئل عثمان عن جوائز السلطان ، فقال : لحم ظبي ذكي ، قال ابن عبد البر : وكان الشعبي والنخعي والحسن وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان والفقهاء السبعة سوى سعيد بن المسيب يقبلون جوائز السلطان ، وكان الثوري مع ورعه وفضله يقول : هي أحب إلي من صلة الإخوان .

                                                                                                          ومن دفع جائزته إلى آخر فعند أحمد لا يكره للثاني ; لأنه إنما كره للأول للمحاباة ، ولا فرق عند عبد الوهاب ، وتتوجه تخريجه عن أحمد لأجل الشبهة .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          وقوله في أول الفصل بعده : ومال بيت المال إن شك في الحرام فيه فالحكم على ما سبق ، انتهى ، يعني بالحكم هذا الذي تكلمنا عليه ، والله أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية