الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1324 [ ص: 198 ] 1285 - مالك عن نافع ، عن أبي سعيد الخدري ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبيعوا الذهب بالذهب . إلا مثلا بمثل . ولا تشفوا بعضها على بعض . ولا تبيعوا الورق بالورق . إلا مثلا بمثل . ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز " .

                                                                                                                        1286 - ومثله أيضا حديث مالك ، عن حميد بن قيس المكي ، عن مجاهد ; أنه قال : كنت مع عبد الله بن عمر . فجاءه صائغ . فقال له : يا أبا عبد الرحمن ، إني أصوغ الذهب ، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من [ ص: 199 ] وزنه فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي ، فنهاه عبد الله عن ذلك ، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة ، وعبد الله ينهاه ، حتى انتهى إلى باب المسجد ، أو إلى دابة يريد أن يركبها ، ثم قال عبد الله بن عمر : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما ، هذا عهد نبينا إلينا ، وعهدنا إليكم .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        28714 - ألا ترى أن ابن عمر جعل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الدينار بالدينار " بما فهم من مخرجه ، كالمصوغ بالدنانير ، وأرسله حجة على ذلك ، وقال : إنه عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        28715 - ولو لم يكن في هذا الباب إلا حديث نافع ، عن أبي سعيد الخدري كان حجة بالغة ; لثبوته ، وبيانه .

                                                                                                                        28716 - وقد رواه ابن عمر ، عن أبي سعيد الخدري ، ومع ابن عمر كان نافع إذ سمعه من أبي سعيد .

                                                                                                                        28717 - وكذلك رواه أيوب ، وعبيد الله ، ويحيى بن أبي كثير ، وغيرهم ، عن نافع ، قال : دخلت مع ابن عمر على أبي سعيد ، فذكر [ ص: 200 ] الحديث وقد ذكرته بطرقه في " التمهيد " .

                                                                                                                        28718 - وفيه تحريم الشفوف بعضها على بعض في الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، وكذلك يقتضي قليل الزيادة وكثيرها .

                                                                                                                        28719 - وأما قوله فيه ; ولا يباع منه غائب بناجز ، فقد اختلف العلماء من معناه في تعاطي الدنانير من الدراهم ، والدراهم من الدنانير ، وسنذكره في باب بيع الطعام إلى أجل بطعام ; لأن فيه القول في تقاضي الطعام .

                                                                                                                        28720 - واختلفوا من ذلك في الدينين يصارف عليهما : 28721 - فقال مالك : من كان له على أحد دراهم وعلى الآخر دنانير جاز أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر من الافتراق ، إن [ ص: 201 ] كانا لم يفترقا .

                                                                                                                        28722 - وهو قول ابن القاسم .

                                                                                                                        28723 - وقال أبو حنيفة : يجوز في الحال ، وفي غير الحال .

                                                                                                                        28724 - وقال الشافعي ، والليث : لا يجوز في الحال ، ولا في غير الحال ; لأنه غائب بغائب ، وإذا لم يجز غائب بناجز أحرى أن لا يكون غائبا بغائب .

                                                                                                                        28725 - وهو قول ابن وهب وابن كنانة .

                                                                                                                        28726 - وقد روي عن الشافعي في ذلك مثل قول مالك ، وابن القاسم .

                                                                                                                        28727 - قال أبو عمر : إذا اجتمع المتصارفان فالذمم كالعين إذا لم يفترقا ، إلا وقد تفاضلا في صرفها ذلك .

                                                                                                                        28728 - يشهد له حديث ابن عمر : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فآخذ من الدنانير دراهم . الحديث نذكره عند ذكرنا تقاضي الطعام من ثمن [ ص: 202 ] [ ص: 203 ] [ ص: 204 ] الطعام - إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        28729 - ومن معنى حديث ابن عمر عن الصائغ مسألة رواها جماعة من أصحاب مالك ، وهي مسألة سواء منكرة لا يقول بها أحد من فقهاء المسلمين .

                                                                                                                        28730 - وقد روي عن كثير من أصحاب مالك ، وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبة أو دنانير مضروبة فيأتي دار الضرب بفضته أو ذهبه فيقول للضراب : خذ فضتي هذه أو ذهبي ، وخذ قدر عمل يدك ، وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي ، أو دراهم مضروبة في فضتي هذه ، لأني محفوز للخروج ، وأخاف أن يفوتني من أخرج معه ، قال : إن كان ذلك لضرورة [ ص: 205 ] خروج الدفعة ، ونحو ذلك ، فأرجو ألا يكون به بأس .

                                                                                                                        [ ص: 206 ] 28731 - وقال سحنون ، عن ابن القاسم : أراه خفيفا للمضطر ولذي الحاجة .

                                                                                                                        28732 - وقال ابن وهب : وذلك ربا ، فلا يحل منه شيء .

                                                                                                                        28733 - وقال عيسى بن دينار : لا يصلح هذا ، ولا يعجزني .

                                                                                                                        28734 - وقال سائر الفقهاء : لا يجوز شيء من ذلك ، وهو ربا ; لأنه أعطى في المضروب ، أكثر من وزن الفضة ، ومن ازداد فقد أربى .

                                                                                                                        28735 - وفي قوله في حديث مالك ، عن يحيى بن سعيد : " أربيتما فردا " ، دليل على أن البيع الحرام مردود أبدا ، فإن فات رجع فيه إلى القيمة عند الفقهاء .




                                                                                                                        الخدمات العلمية