الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 332 ] ( 2 ) باب من تجوز قسامته في العمد من ولاة الدم . 1631 - قال مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا ، أنه لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء ، وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء ، فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        38447 - قال أبو عمر : قد تقدم القول في من له العفو من ولاة الدم .

                                                                                                                        38448 - وأما من له القسامة في قتل العمد من الأولياء ، فإن الشافعي ، وكل من رأى أن القسامة لا يقاد بها ، فإنهم يقولون : إن كل وارث للمقتول ، يقسم مع الأولياء ، ويرثون الدية .

                                                                                                                        38449 - ومن لا يرى أن يقسم الأولياء ، وإنما يقسم المدعى عليهم ، ويغرمون ، وهو مذهب الكوفيين ، وخلافهم أبعد .

                                                                                                                        38450 - ويحيى على قول أحمد في قياسة كقول مالك .

                                                                                                                        38451 - وهو قول داود ، وأهل الظاهر .

                                                                                                                        38452 - قال مالك ، في الرجل يقتل عمدا : أنه إذا قام عصبة المقتول أو مواليه ، فقالوا : نحن نحلف ونستحق دم صاحبنا ، فذلك لهم .

                                                                                                                        38453 - قال مالك : فإن أراد النساء أن يعفون عنه ، فليس ذلك لهن ، العصبة والموالي أولى بذلك منهن ، لأنهم هم الذين استحقوا الدم وحلفوا عليه .

                                                                                                                        [ ص: 333 ] 38454 - قال أبو عمر : هذه مسألة متعلقة بمسألة العفو ، وبالتي قبلها ، وقد تقدم القول فيها ، أن سائر العلماء يقولون : إن كل وارث له العفو ، وهو ولي الدم .

                                                                                                                        38455 - والحجة لمالك ، أن العقل لما كان على العصبة دون من كان من الورثة ، كانوا أولى بالدم ، وبالعفو ممن لا يعقل ، لأن السنة المجتمع عليها ، وقضى بها عمر ، وعلي - رضي الله عنهما - وغيرهما ، أن المرأة ترث من دية زوجها ، وليس من عاقلته ، فالقياس على هذا إن كان العقل لازما له ، كان وليا للدم ، وكان له العفو ، دون من ليس كذلك .

                                                                                                                        38456 - وحجة الشافعي ، والكوفيين ، أنها دية ، فكل من كان وارثا لها ، كان وليا لها ، وجاز له العفو عنه ، وعن نصيبه منها .

                                                                                                                        38457 - قال مالك : وإن عفت العصبة أو الموالي ، بعد أن يستحقوا الدم ، وأبى النساء ، وقلن : لا ندع قاتل صاحبنا ، فهن أحق وأولى بذلك ، لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة ، إذا ثبت الدم ووجب القتل .

                                                                                                                        38458 - قال أبو عمر : يمكن أن يحتج لقول مالك هذا ، بظاهر قول الله - عز وجل : ( ولكم في القصاص حياة ) [ البقرة : 179 ] .

                                                                                                                        38459 - وفيه من الردع والزجر والتشديد ما فيه ، فكان القائم بذلك أولى ممن عفي عنه ، والله - عز وجل - أعلم .

                                                                                                                        38460 - وحجة سائر العلماء ، أن الولي له السلطان الذي جعله الله له في [ ص: 334 ] العفو والقود ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعله بين خيرتين ، بين أن يعفو ، أو يقتص ، وإن شاء عفا على دية أو على غير دية .

                                                                                                                        38461 - وهذه مسألة قد أفردنا لها بابا ، وأوضحنا فيه معنى قول الله - عز وجل : ( فمن عفي له من أخيه شيء ) [ البقرة : 178 ] . وذكرنا ما للعلماء من التنازع في ذلك . والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        38462 - قال مالك : لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعدا ، تردد الأيمان عليهما حتى يحلفا خمسين يمينا ثم قد استحقا الدم وذلك الأمر عندنا .

                                                                                                                        38463 - قال أبو عمر : ظاهر الحديث يشهد لقول مالك هذا ، لأنه قال لأخي المقتول عبد الرحمن بن سهل ولابني عمه ، حويصة ومحيصة : " تحلفون وتستحقون " ولم يقل للأخ وحده : تحلف .

                                                                                                                        38464 - ومعلوم أن الأخ يحجب ابني عمه عن ميراث أخيه .

                                                                                                                        38465 - وهذا رد على الشافعي في قوله : لا يحلف إلا الورثة من الرجال والنساء ، وإن كان واحدا ، حلف خمسين يمينا ، وحكم له بالدية .

                                                                                                                        38466 - وأما الكوفيون ، فلا يحلف عندهم المدعون ، على ما ذكرنا عنهم بما لا معنى لتكراره .

                                                                                                                        38467 - قال مالك : وإذا ضرب النفر الرجل حتى يموت تحت أيديهم قتلوا به جميعا ، فإن هو مات بعد ضربهم كانت القسامة ، وإذا [ ص: 335 ] كانت القسامة لم تكن إلا على رجل واحد ، ولم يقتل غيره ، ولم نعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد .

                                                                                                                        38468 - قال أبو عمر : هذا قول أحمد بن حنبل ، قال : لا تكون القسامة إلا على رجل واحد .

                                                                                                                        38469 - وهو يرى القود بالقسامة ، كما يرى مالك .

                                                                                                                        38470 - وقال المغيرة المخزومي : يقسم على الجماعة في العمد ، ويقتلون بالقسامة ، كما يقتلون بالشهادة القاطعة .

                                                                                                                        38471 - قال المغيرة : وكذلك كان في الزمن الأول ، إلى زمن معاوية .

                                                                                                                        38472 - ولأشهب ، وسحنون في هذا المعنى ، ما قد ذكرنا في كتاب اختلافهم .

                                                                                                                        38473 - وأما الشافعي ، والكوفيون ، فلا قود عندهم في القسامة ، وإنما تستحق بها الدية ، ويقسم عند الشافعي على الواحد ، وعلى الجماعة ، وتستحق الدية على الواحد في ماله في العمد ، وعلى الجماعة في أموالهم .

                                                                                                                        38474 - وأما عند الكوفيين ، فيحلف أهل المحلة ، ويغرمون ، وقالوا في الشهادة على القتل ، إنهم إذا شهدوا أنه ضربه بسيف ، فلم يزل صاحب فراش حتى مات ، فعليه القصاص ، وإن لم يقولوا : مات منها .

                                                                                                                        38475 - وروى الربيع ، عن الشافعي ، مثل ذلك سواء .

                                                                                                                        38476 - وروى المزني عنه أنه لا يجعل قاتلا له حتى يقولوا : إنه إذ ضربه نهر [ ص: 336 ] دمه ، ورأينا دمه سائلا ، وإلا لم يكن قاتلا ، ولا جارحا .

                                                                                                                        38477 - ولا يكلف الشافعي ، ولا الكوفيون الشهود أن يقولوا : مات منها .

                                                                                                                        38478 - وأما القسامة ، فلا قسامة عندهم في غير ما شرطوه ، وذهبوا إليه ، على ما قد ذكرناه عنهم فيما مضى من هذا الكتاب .

                                                                                                                        38479 - ومالك ، والليث يقولان : إذا شهد ولي أنه ضربه ، فبقي بعد الضرب مغمورا ، لم يأكل ولم يشرب ، ولم يتكلم ، ولم يفق حتى مات ، قتل به ، وإن أكل أو شرب وعاش ، ثم مات ، ففيه القسامة ، ويحلف المقسمون أنه مات من ذلك الضرب .




                                                                                                                        الخدمات العلمية