الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        37260 - قال مالك : الأمر عندنا أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل ، حتى تبلغ الموضحة ، وإنما العقل في الموضحة فما فوقها ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى الموضحة ، في كتابه لعمرو بن حزم ، فجعل فيها خمسا من الإبل ، ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث ، فيما دون الموضحة ، بعقل مسمى .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        37261 - قال أبو عمر : قوله : إنه ليس فيما دون الموضحة عقل مسمى ، وإنما فيه حكومة ، يجتهد فيها الحاكم .

                                                                                                                        37262 - وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، وقول أكثر العلماء .

                                                                                                                        37263 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني محمد بن أبي عدي عن أشعب ، قال كان الحسن لا يؤقت فيما دون الموضحة شيئا .

                                                                                                                        37264 - وقال : حدثني محمد بن عبد الله الأسدي ، عن ابن علاثة ، عن [ ص: 127 ] إبراهيم بن أبي عبلة ، أن معاذا ، وعمر ، جعلا فيما دون الموضحة ، أجر الطبيب .

                                                                                                                        37265 - وكذلك قال مسروق ، والشعبي .

                                                                                                                        37266 - وبه كتب عمر بن عبد العزيز : ليس في ما دون الموضحة عقل ، إلا أجر الطبيب .

                                                                                                                        37267 - وقال إبراهيم : ما دون الموضحة ، إنما فيه الصلح .

                                                                                                                        37268 - قال أبو عمر : قد روى مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر ، وعثمان ، قضيا في الملطاة - وهي السمحاق - بنصف دية الموضحة .

                                                                                                                        37269 - قال أبو عمر : هذا خلاف ظاهر " الموطأ " قوله : ولم تقض الأئمة في القديم ، ولا في الحديث ، عندنا فيما دون الموضحة بعقل مسمى " ولا وجه لقوله هذا ، إلا أن يحمل قضاء عمر ، وعثمان ، في الملطاة ، على وجه الحكومة ، والاجتهاد ، والصلح ، لا على التوقيت كما قالوا في قضاء زيد بن ثابت ، في العين القائمة .

                                                                                                                        37270 - وذكر عبد الرزاق ، قال : قلت لمالك : إن الثوري حدثنا عنك ، عن يزيد بن قسيط ، عن ابن المسيب ، أن عمر ، وعثمان قضيا في الملطاة بنصف [ ص: 128 ] الموضحة ، فقال لي : قد حدثته به ، قلت : فحدثني به . فأبى ، وقال : العمل عندنا على غير ذلك ، وليس الرجل عندنا هنالك - يعني يزيد بن قسيط .

                                                                                                                        37271 - قال أبو عمر : هكذا قال عبد الرزاق " يعني يزيد بن قسيط " ، وليس هو عندي كما ظن عبد الرزاق ، لأن الحارث بن مسكين ذكر هذا الحديث ، عن ابن القاسم ، عن عبد الرحمن بن أشرس ، عن مالك ، عمن حدثه عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، وعن سعيد بن المسيب ، أن عمر ، وعثمان ، قضيا في الملطاة بنصف الموضحة .

                                                                                                                        37272 - ويزيد بن قسيط من قدماء علماء أهل المدينة ، ممن لقي ابن عمر ، وأبا هريرة ، وأبا رافع ، وروى عنهم وما كان مالك ليقول فيه ما ظن عبد الرزاق به ، لأنه قد احتج به في مواضع من موطئه ، وإنما قال مالك : وليس الرجل عندنا هنالك في الرجل الذي كتم اسمه ، وهو الذي حدثه بهذا الحديث عن يزيد بن قسيط .

                                                                                                                        37273 - وقد بان بما رواه ابن القاسم ، عن مالك ، عن رجل ، عن يزيد بن قسيط ، ما ذكرنا . وبالله التوفيق .

                                                                                                                        37274 - وقد قلد هذا الخبر ، الذي ظن فيه عبد الرزاق ، أن مالكا أراد بقوله [ ص: 129 ] ذلك يزيد بن قسيط ، بعض من ألف في الرجال ، فقال : " يزيد بن قسيط ، ذكر عبد الرزاق أن مالكا لم يرضه . فليس بالقوي " ، وهذا غلط وجهل .

                                                                                                                        37275 - ويزيد بن قسيط ثقة من ثقات علماء المدينة .

                                                                                                                        37276 - قال أبو عمر : قد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قضى في السمحاق بأربع من الإبل .

                                                                                                                        37277 - روي ذلك عنه من وجوه ، ويحتمل أن يكون توقيفا ، ويحتمل أن يكون حكومة ، فالله عز وجل أعلم .

                                                                                                                        37278 - وذكر عبد الرزاق ، قال : حدثني محمد بن راشد ، عن مكحول ، عن قبيصة ، عن زيد بن ثابت ، قال : في الدامية بعير ، وفي الباضعة بعيران ، وفي المتلاحمة ثلاث ، وفي السمحاق أربع ، وفي الموضحة خمس .

                                                                                                                        37279 - وروى الشعبي ، عن زيد بن ثابت ، قال : الدامية الكبرى . ويرونها : المتلاحمة ، فيها ثلاثمائة درهم ، وفي الباضعة مائتا درهم ، وفي الدامية الصغرى مائة درهم .

                                                                                                                        37280 - قال أبو عمر : أسماء الشجاج التي دون الموضحة ، عند الفقهاء ، [ ص: 130 ] وأهل اللغة .

                                                                                                                        37281 - أولها الخارصة ، ويقال لها أيضا : الخرصة ، وهي التي خرصت الجلد ، أي شقته .

                                                                                                                        37282 - وقيل : هي الدامية .

                                                                                                                        37283 - وقيل : بل الدامية غير الخارصة ، وهي التي تدمى من غير أن يسيل منها دم .

                                                                                                                        37284 - ثم الدامغة ، وهي التي يسيل منها الدم .

                                                                                                                        37285 - وقيل : الدامية ، والدامغة سواء .

                                                                                                                        37286 - ثم الباضعة ، وهي التي تبضع اللحم ، أي تشقه بعد أن شقت الجلد .

                                                                                                                        37287 - ثم المتلاحمة ، وهي التي أحزت في اللحم ، ولم تبلغ السمحاق .

                                                                                                                        37288 - والسمحاق جلدة أو قشرة رقيقة بين العظم واللحم ، قالوا : وكل قشرة رقيقة ، فهي سمحاق .

                                                                                                                        37289 - والسمحاق هي الشجة التي تبلغ القشرة المتصلة بالعظم ، فإذا بلغت الشجة تلك القشرة المتصلة بالعظم ، فهي السمحاق ، ويقال لها : الملطاة . بالمد والقصر أيضا . وقد قيل لها الملطاة .

                                                                                                                        37290 - فإن كشطت تلك القشرة ، أو انشقت حتى يبدو العظم ، فهي الموضحة .

                                                                                                                        37291 - ولا شيء عند مالك ، في الملطاة ، إن كانت خطأ ، إلا أن تبرأ على [ ص: 131 ] شين ، فتكون فيها - حينئذ - حكومة .

                                                                                                                        37292 - وأما الشافعي ، والكوفيون ، ففي كل واحدة من هذه الشجاج ، التي ذكرنا ، دون الموضحة ، حكومة عندهم في الخطأ ، برئت على شين ، أو لم تبرأ .




                                                                                                                        الخدمات العلمية