الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرجلان يقتلان الرجل أحدهما ممن يجب عليه القصاص قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الصغير والكبير يقتلان الرجل جميعا عمدا إن على الكبير نصف الدية في ماله وعلى الصغير نصف الدية على عاقلته وقال أهل المدينة يقتل الكبير ويكون على الصغير نصف الدية قال محمد بن الحسن .

وكيف يقتل الكبير وقد شركه في الدم من لا قود عليه أرأيتم لو أن رجلا قتل نفسه هو ورجل آخر معه أكان على ذلك الرجل القود وقد شركه في دم المقتول نفسه ؟ ينبغي لمن قال القول الأول أن يقول هذا أيضا أرأيتم لو أن رجلا وجب عليه القود في قطع يده فقطعت يده وجاء رجل آخر فقطع رجله فمات من القطعين جميعا أيقتل الذي قطع الرجل وقد شركه في الدم حد من حدود الله ؟ أرأيتم لو أن رجلا عقره سبع وشجه رجل موضحة عمدا فمات من ذلك كله أيقتل صاحب الموضحة الضارب وقد شركه في الدم من ليس في فعله قود ولا أرش ؟ ينبغي لمن قال هذا أن يقول لو أن رجلا وصبيا سرقا سرقة واحدة إنه يقطع الرجل ويترك الصبي وينبغي له أيضا أن يقول لو أن رجلين سرقا من رجل ألف درهم لأحدهما فيها شرك قطع الذي لا شرك له ولا يقطع الذي له الشرك أرأيتم رجلا وصبيا رفعا سيفا بأيديهما فضربا به رجلا ضربة واحدة فمات من تلك الضربة أتكون ضربة واحدة بعضها عمد فيه القود وبعضها خطأ ، فإن كان ذلك عندكم فأيها العمد وأيها الخطأ ؟ أرأيتم إن رفع رجلان سيفا فضربا به أحدهما متعمدين لذلك فمات من تلك الضربة وهي ضربته وضربة صاحبه ولم ينفرد أحدهما بضربة دون صاحبه أيكون في هذا قود ليس في هذا قود إذا أشرك في الدم شيء لا قود فيه ولا تبعيض في شيء من النفس أرأيتم رجلا ضرب رجلا فشجه موضحة خطأ

، ثم ثنى فشجه موضحة عمدا فمات في مكانه من ذلك جميعا ينبغي في قولكم أن تجعلوا على عاقلته نصف الدية بالشجة الخطأ وتقتلوه بالشجة العمد فيكون رجل واحد عليه في نفس واحدة نصف الدية والقتل وينبغي لكم أن تقولوا لو أن رجلا وجب له على رجل قصاص في شجة موضحة فاقتض منه

، ثم زاد على حقه متعمدا فمات المقتص منه من ذلك أنه يقتل الذي اقتص بالزيادة التي تعمد أخبرنا عباد بن العوام قال حدثنا هشام بن حسان عن الحسن البصري أنه سأل عن قوم قتلوا رجلا عمدا فيهم مصاب [ ص: 328 ] قال تكون فيه الدية أخبرنا عباد بن العوام قال أخبرنا عمر بن عامر عن إبراهيم النخعي أنه قال إذا دخل خطأ في عمد فهي دية ( قال الشافعي ) إذا قتل الرجل البالغ والصبي معه أو المجنون معه رجلا وكان القتل منهما جميعا عمدا فلا يجوز عندي والله أعلم لمن قتل اثنين بالغين قتلا رجلا عمدا برجل إلا أن يقتل الرجل ويجعل نصف الدية على الصبي والمجنون ، وأصل هذا أن ينظر إلى القتل فإذا كان عمدا كله لا يخالطه خطأ فاشترك فيه اثنان أو ثلاثة فمن كان عليه القود منهم أقيد منه ومن زال عنه القود أزاله وجعل عليه حصته من الدية ( قال الربيع ) ترك الشافعي العاقلة لأنه عمد عنده ولكنه مطروح عنه للصغر والجنون ، فإن قال قائل ما يشبه هذا ؟ قيل له الرجلان يقتلان الرجل عمدا فيعفو الولي عن أحدهما أو يصالحه فلا يكون له سبيل على المعفو عنه ولا المصالح ويكون له السبيل على الذي لم يعف عنه فيقتله فيأخذ من أحد القاتلين بعض الدية أو يعفو عنه ويقتل الآخر ، فإن قال قائل فهذان كان عليهما القود فزال عن أحدهما بإزالة الولي قيل له أفرأيت إن أزاله الولي عنه أزال عن غيره ؟ ، فإن قال لا قيل وفعلهما واحد ، فإن قال نعم قيل ويحكم على كل واحد منهما حكم نفسه لا حكم غيره ، فإن قال نعم قيل فإذا كان هذا عندك هكذا في هذين فكيف إذا قتل الرجلان الرجل عمدا وأحد القاتلين ممن عليه القود والآخر ممن لا قود عليه كيف لم تقد من الذي عليه القود وتأخذ الدية من الذي لا قود عليه مثل الصبي والمجنون والأب ( قال الشافعي ) ويقال له إن كنت إنما رفعت القود في الصبي والمجنون يقتلان الرجل ومعهما عاقل من قبل أن القلم مرفوع عنهما فحكمت بأن أحدهما خطأ فقد تركت هذا الأصل في الرجل المستأمن يقتله مسلم ومستأمن إذا كنت تحكم على المستأمن وتجعل على المسلم حصته من الدية أو رأيت أبا رجل ورجلا أجنبيا قتلا رجلا لم تقتل الأجنبي وتجعل على الأب نصف الدية إذا كان هؤلاء ممن يعقل ويكون عليه القود ولا يكون القلم عنه مرفوعا وتجعل عليه الدية في ماله لا على عاقلته وتجعل عمده عمدا لا خطأ وتفرق بينه وبين الصغير والمعتوه فتزعم أن عمد أولئك خطأ وأن عمدهما على عاقلتهما فما الحجة في أن تجمع بين ما فرقت بينه ؟ ، فإن زعم أن حجته أن عمد الصبي والمعتوه خطأ تعقله عاقلته وعمد الأب يقتل ابنه معه غيره أو ليس معه غيره عمد يزول عنه القود لمعنى فيه ويجعل عليه الدية في ماله دون عاقلته ، وكذلك عمد المستأمن يقتل المستأمن مع المسلم إذا حكم عليه فإذا زعم أن الأجنبي إذا شرك الأب والمستأمن إذا شرك المسلم في القتل قتل الذي عليه القود فقد ترك الأصل الذي إليه ذهب فأما ما أدخل على أصحابنا فأكثره لا يدخل عليهم وذلك قوله في الرجل تقطع يده في الحد أو القصاص

، ثم يقطع آخر رجله فيموت هذا لا قصاص فيه لأنه مات من جناية حق وجناية باطل ولأنه لو مات من قطع اليد لم يكن له دية لأن يده قطعت في غير معصية الله عز وجل فلما كان للإباحة فيه موضع لم يجز أن يقتل به من قتله وقتله غير منفرد به ولا شركة فيه بتعد وعليه عقل ولا قود قال ، وكذلك لو ضربه السبع فجرحه وضربه آخر لم يكن عليه قود من قبل أن جناية السبع لا عقل فيها ولا قود فأما جناية المجنون والصبي فثابتة عليهما إن لم تكن بقود فبعقل وإذا كانت جنايتهما غير لغو والنفس مقتولة قتل عمد ومن قوله أن تقتل العشرة بواحد إذا قتلوه عمدا ويجعل كل واحد منهم كأنه قاتل على الانفراد حتى لو أزال القود عن بعضهم أخذ القود من الباقين لأن أصل القتل كان عمدا فإذا كان القتل خطأ لم يقتل ، فإن قال فقتل الصبي والمعتوه خطأ قيل له هذا محال أن تزعم أنه خطأ وهو عمد ولكن قد كانت فيهما علة يمنع بها القصاص ، فإن قال قائل أجعله على العاقلة كما أجعل خطأه قيل وهذا إن رد عليك وجعل في أموالهما لم تجد فيه حجة ولو كانت فيه حجة كانت عليك في الرجل يقتل ابنه [ ص: 329 ] مع الأجنبي وأنت لا تجعل الدية إلا في مال الأب لا على العاقلة وفي المستأمن يقتل المستأمن معه مسلم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية