الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القصاص في كسر اليد والرجل قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا قصاص على أحد كسر يدا أو رجلا لأنه عظم ولا قود في عظم إلا السن وقال أهل المدينة من كسر يدا أو رجلا أقيد منه ولا يعقل ولكنه لا يقاد حتى يبرأ جرح صاحبه وقال محمد بن الحسن الآثار في أنه لا قود في عظم أكثر من ذلك . أخبرنا محمد بن أبان القرشي عن حماد عن إبراهيم قال ليس في عظم قصاص إلا السن وقال أبو حنيفة لا قصاص في شيء من ذلك وفي اليد نصف الدية في ماله وفي الكسر حكومة عدل في ماله ولم أكن لأضع الحديد في غير [ ص: 352 ] الموضع الذي وضعها فيه القاطع ولا أقتص من عظم فلذلك جعلت في ذلك الدية قال وقد اجتمعنا نحن وأهل المدينة أنه لا قود في مأمومة فينبغي لمن رأى القود في العظام أن يرى ذلك في المأمومة لأنها عظم كسر فوصل إلى الدماغ ولم يصب الدماغ وينبغي له أيضا أن يجعل في المنقلة القود وإن اقتص من عظم اليد والرجل ولم يقتص من كسر عظم الرأس فقد ترك قوله وليس بينهما افتراق وينبغي له أيضا أن يقتص من الهاشمة وهي الشجة التي هشمت عظم الرأس فإن لم يقتص من هذا فقد ترك قوله في كسر اليد والرجل وقد قال مالك بن أنس رضي الله عنه ذات يوم كنا لا نقص من الأصابع حتى قص منها عبد العزيز بن المطلب قاض عليهم فقصصنا منها فليس يعدل أهل المدينة في الأشياء بما عمل به عامل في بلادهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : معقول في كتاب الله عز وجل في القصاص إذ قال جل وعلا { النفس بالنفس } الآية إنما هو إفاتة شيء بشيء فهذا سواء وفي قوله { والجروح قصاص } إنما هو أن يفعل بالجارح مثل ما فعل بالمجروح فلا نقص من واحد إلا في شيء يفات من الذي أفات مثل عين وسن وأذن ولسان وغير هذا مما يفات فهذا يفات إفاتة النفس أو جرح فيؤخذ من الجارح كما أخذ من المجروح فإذا كان على الابتداء يعلم أنه يقدر على أنه يقص منه فلا يزاد فيه ولا ينقص اقتص منه وإذا كان لا يقدر على ذلك فلا قصاص فيه قال وأولى الأشياء أن لا يقص منه كسر اليد والرجل لمعنيين أحدهما أن دون عظمهما حائلا من جلد وعروق ولحم وعصب ممنوع إلا بما وجب عليه فلو استبقينا أن نكسر عظمه كما كسر عظمه لا نزيد فيه ولا ننقص فعلنا ولكنا لا نصل إلى العظم حتى ننال مما دونه مما وصفت مما لا يعرف قدره مما هو أكثر أو أقل مما نال من غيره والثاني أن لا نقدر على أن يكون كسر ككسر أبدا فهو ممنوع من الوجهين والمأمومة والمنقلة والهاشمة أولى أن يكون فيها قصاص من حيث إن من جناها فقد شق بها اللحم والجلد فنشق اللحم والجلد كما شقه ونهشم العظم أو ننقله أو نؤمه فنخرقه ، فإن قال لا يقدر على العظم وهو بارز فهو لم يتعذر دونه فكذلك لا يقدر على العظم دونه غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية