الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي بن أبي طالب ، فكان كما أخبر سواء بسواء

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : ثنا علي بن بحر ، ثنا عيسى بن يونس ، ثنا محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن محمد بن خثيم المحاربي ، عن محمد بن كعب ، عن محمد بن خثيم ، عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 205 ] لعلي حين ولي غزوة العشيرة : " يا أبا تراب - لما يرى عليه من التراب - ألا أحدثك بأشقى الناس رجلين؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . قال : " أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه - يعني قرنه - حتى يبل هذه " يعني لحيته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البيهقي عن الحاكم ، عن الأصم ، عن الحسن بن مكرم ، عن أبي النضر ، عن محمد بن راشد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبوه من أهل بدر - قال : خرجت مع أبي عائدا لعلي بن أبي طالب في مرض أصابه ، ثقل منه . قال : فقال له أبي : ما يقيمك بمنزلك هذا؟ فلو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة ، تحمل إلى المدينة ، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك . فقال علي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه يعني هامته . فقتل وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود الطيالسي : ثنا شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له : اتق الله فإنك ميت . فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ولكن مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه - [ ص: 206 ] وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود ، وقضاء مقضي ، وقد خاب من افترى وقد روى البيهقي بإسناد صحيح ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي سنان الدؤلي ، عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى من حديث هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي إدريس الأزدي ، عن علي قال : إن مما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الأمة ستغدر بك بعدي " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ساقه من طريق فطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد الحماني قال : سمعت عليا يقول : إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي : " إن الأمة ستغدر بك بعدي " قال البخاري : ثعلبة هذا فيه نظر ، ولا يتابع على حديثه هذا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البيهقي عن الحاكم ، عن الأصم ، عن محمد بن إسحاق الصغاني ، عن أبي الجواب الأحوص بن جواب ، عن عمار بن [ ص: 207 ] زريق ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد قال : قال علي : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه - للحيته من رأسه - فما يحبس أشقاها؟ فقال عبد الله بن سبع : والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأبرنا عشيرته . فقال : أنشدك بالله أن لا تقتل بي غير قاتلي . قالوا : يا أمير المؤمنين ، ألا تستخلف؟ قال : لا ، ولكني أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : فما تقول لربك إذا لقيته وقد تركتنا هملا؟ قال : أقول : اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتني وتركتك فيهم ، فإن شئت أصلحتهم ، وإن شئت أفسدتهم وهكذا روى البيهقي هذا . وهو موقوف ، وفيه غرابة من حيث اللفظ ومن حيث المعنى ، ثم المشهور عن علي أنه لما طعنه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي وهو خارج لصلاة الصبح عند السدة ، فبقي علي يومين من طعنته ، وحبس ابن ملجم ، وأوصى علي إلى ابنه الحسن بن علي ، كما سيأتي بيانه ، وأمره أن يركب في الجنود ، وقال له : لا تحر علي كما تحر [ ص: 208 ] الجارية . فلما مات قتل عبد الرحمن بن ملجم قودا . وقيل : حدا . والله أعلم ، ثم ركب الحسن بن علي في الجنود ، وسار إلى معاوية كما سيأتي بيانه ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية