الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 225 ] ما روي في إخباره صلى الله عليه وسلم عن مقتل حجر بن عدي وأصحابه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال يعقوب بن سفيان : ثنا ابن بكير ، ثنا ابن لهيعة ، حدثني الحارث بن يزيد ، عن عبد الله بن زرير الغافقي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : يا أهل العراق ، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء ، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود . فقتل حجر بن عدي وأصحابه . وقال يعقوب بن سفيان : قال أبو نعيم : ذكر زياد بن سمية علي بن أبي طالب على المنبر ، فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها ، وحصب من حوله زيادا ، فكتب إلى معاوية يقول : إن حجرا حصبني وأنا على المنبر . فكتب إليه معاوية أن يحمل إليه حجرا ، فلما قرب من دمشق بعث من يتلقاهم ، فالتقى معهم بعذراء فقتلهم قال البيهقي : لا يقول علي مثل هذا إلا أن يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا حرملة ، ثنا ابن وهب ، أخبرني ابن [ ص: 226 ] لهيعة ، عن أبي الأسود قال : دخل معاوية على عائشة فقالت : ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه؟ فقال : يا أم المؤمنين ، إني رأيت قتلهم صلاحا للأمة ، وأن بقاءهم فساد . فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء " وقال يعقوب بن سفيان : ثنا عمرو بن عاصم ، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن مروان بن الحكم قال : دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، فقالت : يا معاوية ، قتلت حجرا وأصحابه ، وفعلت الذي فعلت ، أما خشيت أن أخبئ لك رجلا فيقتلك؟ قال : لا ، إني في بيت أمان; سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن " . يا أم المؤمنين ، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك؟ قالت : صالح . قال : فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا ، عز وجل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال يعقوب بن سفيان : ثنا عبيد الله بن معاذ ، ثنا أبي ، ثنا شعبة عن أبي سلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه : " آخركم موتا في النار " . فيهم سمرة بن جندب . قال أبو نضرة : فكان سمرة آخرهم موتا قال البيهقي : رواته ثقات; إلا أن أبا نضرة [ ص: 227 ] العبدي لم يثبت له من أبي هريرة سماع ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى من طريق إسماعيل بن حكيم ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن أنس بن حكيم قال : كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة ، فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة ، فلو أخبرته بحياته وصحته فرح وقال : إنا كنا عشرة في بيت ، وإن رسول الله قام علينا ، ونظر في وجوهنا وأخذ بعضادتي الباب وقال : " آخركم موتا في النار " . فقد مات منا ثمانية ولم يبق غيري وغيره ، فليس شيء أحب إلي من أن أكون قد ذقت الموت وله شاهد من وجه آخر; وقال يعقوب بن سفيان : ثنا حجاج بن منهال ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس بن خالد قال : كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة ، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة ، فقلت لأبي محذورة : مالك إذا قدمت عليك تسألني عن سمرة ، وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟ فقال : إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " آخركم موتا في النار " . قال : فمات أبو هريرة ، ثم مات أبو محذورة ، ثم مات سمرة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الرزاق : أنا معمر ، سمعت ابن طاوس وغيره يقولون : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ولسمرة بن جندب ولرجل آخر : " آخركم موتا في النار " . [ ص: 228 ] فمات الرجل قبلهما . وبقي أبو هريرة وسمرة ، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول : مات سمرة . فإذا سمعه غشي عليه وصعق ، ثم مات أبو هريرة قبل سمرة ، فقتل سمرة بشرا كثيرا . وقد ضعف البيهقي عامة هذه الروايات‏; لانقطاع بعضها وإرساله ، ثم قال : وقد قال بعض أهل العلم : إن سمرة مات في الحريق . ثم قال : ويحتمل أن يورد النار بذنوبه ، ثم ينجو منها بإيمانه ، فيخرج منها بشفاعة الشافعين ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم أورد من طريق هلال بن العلاء الرقي أن عبد الله بن معاوية حدثهم عن رجل قد سماه ، أن سمرة استجمر فغفل عن نفسه وغفل أهله عنه حتى أخذته النار . قلت : وذكر غيره أن سمرة بن جندب ، رضي الله عنه ، أصابه كزاز شديد ، فكان يوقد له على قدر مملوءة ماءا حارا ، فيجلس فوقها; ليتدفأ ببخارها ، فسقط يوما فيها فمات رضي الله عنه ، وكان موته سنة تسع وخمسين بعد أبي هريرة بسنة ، وقد كان ينوب عن زياد بن سمية في البصرة إذا سار إلى الكوفة ، وفي الكوفة إذا سار إلى البصرة ، فكان يقيم في كل منهما ستة أشهر من السنة ، وكان شديدا على الخوارج ، يكثر القتل فيهم ، ويقول : هم شر قتلى تحت أديم السماء . وقد كان الحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهما من [ ص: 229 ] علماء البصرة يثنون عليه ، رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية