الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقعة النمارق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بعث رستم أميرا يقال له : جابان . وعلى مجنبتيه رجلان يقال لأحدهما : [ ص: 593 ] جشنس ماه . ويقال للآخر : مردان شاه . وهو حصي أمير حاجب الفرس ، فالتقوا مع أبي عبيد بمكان يقال له : النمارق . بين الحيرة والقادسية ، وعلى الخيل المثنى بن حارثة ، وعلى الميسرة عمرو بن الهيثم ، فاقتتلوا هنالك قتالا شديدا ، وهزم الله الفرس ، وأسر جابان ومردان شاه . فأما مردان شاه فإنه قتله الذي أسره ، وأما جابان فإنه خدع الذي أسره حتى أطلقه ، فأمسكه المسلمون وأبوا أن يطلقوه ، وقالوا : إن هذا هو الأمير . وجاءوا به إلى أبي عبيد ، فقالوا : اقتله ، فإنه الأمير . فقال : وإن كان الأمير ، فإني لا أقتله وقد أمنه رجل من المسلمين . ثم ركب أبو عبيد في آثار من انهزم منهم ، وقد لجأوا إلى مدينة كسكر التي لابن خالة كسرى ، واسمه نرسي ، فوازرهم نرسي على قتال أبي عبيد ، فقهرهم أبو عبيد ، وغنم منهم شيئا كثيرا وأطعمات كثيرة جدا ، ولله الحمد . وبعث بخمس ما غنم من المال والطعام إلى عمر بن الخطاب بالمدينة ، وقد قال في ذلك رجل من المسلمين :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لعمري وما عمري علي بهين لقد صبحت بالخزي أهل النمارق     بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يجوسونهم ما بين درتا وبارق     قتلناهم ما بين
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مرج مسلح وبين الهوافي من طريق البذارق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 594 ] فالتقوا بمكان بين كسكر والسقاطية ، وعلى ميمنة نرسي وميسرته ابنا خاله بندويه وتيرويه أولاد بسطام ، وكان رستم قد جهز الجيوش مع الجالنوس ، فلما بلغ أبو عبيد ذلك أعجل نرسي بالقتال قبل وصولهم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزمت الفرس وهرب نرسي والجالنوس إلى المدائن بعد وقعة جرت من أبي عبيد مع الجالنوس بمكان يقال له : باروسما . فبعث أبو عبيد المثنى بن حارثة وسرايا أخر إلى ما تاخم تلك الناحية كنهر جوبر ونحوها ، ففتحها صلحا وقهرا ، وضربوا الجزية والخراج ، وغنموا الأموال الجزيلة ، ولله الحمد والمنة ، وكسروا الجالنوس الذي جاء لنصرة جابان ، وغنموا جيشه وأمواله ، وكر هاربا إلى قومه حقيرا ذليلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية