الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        ثانيا: فوائد الهجرة في الفضاء الإسلامي

        فكل هـذه التصورات المستقبلية للعطاء الحضاري الإسلامي في مجالات شتى، التي تساهم في بلورتها وتقديمها كفاءات إسلامية مهاجرة، من شأنها أن تكون بابا للدعوة لرسالة الإسلام فـي كل مناطق العالم التي توجد بها أقليات مسلمة، وإضافة نوعية لمجهودات العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي من أجل تحقـيق مشروع النهضة الإسلامية.

        ومعلوم أن هـذا المشروع يحتاج إلى اجتهاد وفهم دقيق للواقع الذي يتنـزل فيه. وحتى يكون هـذا الفهم دقيقا وشاملا، فإن الكفاءات المسلمة المهاجرة يمكنها أن تساهم في تجديد الفكر الإسلامي، وفي تقديم قراءة عميقة للتراث الإسلامي، وفي النهضة العلمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية في العالم الإسلامي، بفضل ما استفادت من خلاصة التجربة الغربية الحديثة القائمة على ثقافة التعددية، التي تختلف عن ثقافة الأحادية السائدة في كثير من البلاد الإسلامية، وبفضل ما تمتلكه من قدرة على دمج الأدوات المنهجية الإسلامية والغربية في البحث بعد تمحيصها ونقدها. [ ص: 113 ]

        من جانب آخر، إذا علمنا أن تحقيق التقارب الثقافي والحوار الحضاري بين العالمين الإسلامي والغربي يعتبر من مقومات النهضة الحضارية العالمية حاليا وفي المستقبل، فإن الطليعة المسلمة المثقفة تمثل جسر علاقة العالم العربي الإسلامي بالعالم الغربي، والمحرك الأول الدافع إلى التصالح بين الثقافتين والحضارتين، والعامل الأساس في نزع فتيل الصراع الحضاري ، الذي تتمناه العديد من الدوائر السياسية والفكرية، وتسعى إلى تحققه بكل ما أوتيت من جهد. ويكون ذلك بالاجتهاد في مساعدة الأقليات المسلمة في الغرب على أن تكون في مستوى رسالة الإسلام الإنسانية العالمية، وتقليص أسباب التوتر وسوء التفاهم بين العالمين الإسلامي والغربي.

        ولا يشك أحد في أن عملية تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين لدى الغرب ستكون لها انعكاسات جد إيجابية على العالـم الإسلامي، من حيث المساهمة في كسر جدار الخوف من "الغول الإسلامي"، ودفع الغرب نحو التعامل بندية مع سدس سكان المعمورة.

        وبقدر ما تلقى المسئولية على الكفاءات المسلمة في الغرب من أجل تصحيح صورة الإسلام والمسلمين هـناك، بقدر ما تكون [ ص: 114 ] مهمتها ومسئوليتها كبيرة في تحسيس الطرف الإسلامي بضرورة مراجعة موقفه من الغرب عبر تقديم فهم أعمق للفكر والواقع الغربيين. فالنظرة السائدة في العالم الإسلامي أن الغرب شر كله، والخطاب يسوده التهجم والعقلية الصدامية، والحال أن المسلمين جزء من هـذا الغرب الذي يلعنه مسلمون آخرون صباح مساء، والمواطنة تقتضي وحدة الهموم والمصير.

        ولا يمكن تحقيق تقارب بين العالمين في ظل خطاب مزدوج من طرف المسلمين بين لاعن ومادح، وبين قادح للغرب والغربيين جملة وتفصيلا داخل العالم الإسلامي وداع إلى التوطين والمواطنة في الغرب. فهذا الموضوع الدقيق يحتاج إلى معالجة حكيمة وإلى مراجعات عميقة بهدف التوصل إلى تقارب بين المسلمين في النظرة للغرب، وتجنب التعميم، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ لأن ديننا الحنيف يدعونا إلى القسط: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) (المائدة:8)

        وذلك من خلال التفريق بين مواقف أصحاب القرار ومواقف الشعوب، والتمييز بين المعادي والمنصف، وبيـن من يكن العداء [ ص: 115 ] الدفين للمسلمين وبين من هـو ضحية حملات تشويهية لصورة الإسلام والمسلمين.

        فليس كل الغربيين مورطين في استعمار الشعوب، ونهب ثرواتها، واستغلال طاقاتها، وفرض أنظمة متسلطة على بعضها.. وليس كل الغربيين مشاركين في إقامة دولة إسرائيلية على أرض فلسطين ، وفي دعم هـذا الكيان بكل الوسائل لكسر شوكة الانتفاضة، وليس كل الغربيين عنصريين.. الخ.

        وبهذه الرؤية العادلة، تتم محاصرة الدعاة إلى حتمية الصراع الحضاري بين الطرفين.

        ويجدر التنبيه إلى أن الدور الحضاري المنشود للعقول المسلمة المهاجرة يحتاج -إلى جانب الكفاءات البشرية- إلى آليات ووسائل في مستوى التحديات المطروحة، ومن بينها الوسائل الإعلامية التقليدية (مثل الصحف والمجـلات والإذاعات والتلفزيون) والمعاصرة (مثل الإنترنت والفضائيات) ومراكز البحوث والدراسات، ودور النشر. وإلى جانب قيامها بالأدوار المشار إليها أعلاه، يمكن أن تكون هـذه المؤسسات محضنا لهذه الكفاءات، بتجميعها وتشجيعها على الانخراط في النهوض الحضاري، الذي تستفيد منه البشرية جمعاء. [ ص: 116 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية