الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          2- التعليم الذاتي

          تبين لنا بجلاء أثناء الحديث عن التصور الإسلامي للتعليم أنها عملية تستغرق زمان المتعلم كله، بمعنى أن الإسلام قد ألغى البعد الزمني في التعليم، حيث إن حياة الفرد المتعلم من الولادة حتى الوفاة وقفا على هـذه العملية وبناء على ذلك، فمن أسباب العجز التعليمي في العالم الإسلامي –كما سبقت الإشارة إلى ذلك- حصر العملـية التعليمية في التعليم النظامي فحسب، بحيث إذا تخرج الطالب توقفت عملية التعليم لديه وودع التعليم توديعا أبديا غير آسف ولا مكترث بمغبة فعله هـذا. [ ص: 124 ]

          ومن ثـم، فإن الحث على مواصلة التعليم والمزيد منه أثناء التعليم النظامي وبعده يصبح ضرورة لازمة، على المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والدراسات في العالم الإسلامي أن تبذل جهدا في سبيل ترسيخ التصور الإسلامي لعملية التعليم ومنظوره للعلم. ولذا، فإن الإيمان بأهمية هـذا النوع من التعليم والشعور بخطره إن فقد، يهون الجهد المبذول في سبيل ذلك مهما عظم، ويسهل التضحية مهما كانت عسيرة، وربما يحببها إلى الأنفس مهما كانت بغيضة لديهم، ويحملونها عن رضا بعد أن تحملوها عن كره.

          ولعل من أهم الأمور التي تحقق التصور الإسلامي للتعليم: التعلم الذاتي، والمقصود به أن يعتمد المتعلم على ذاته في تحصيل العلم، وأن تصبح هـذه الصفة خلقا له وسجية، بحيث يكون في أحواله كلها مقبلا على التعلم من تلقاء نفسه رغبة في تحصيل مزيد من العلم. والحقيقة أن التعلم الذاتي، بالمعنى الذي وقع تحديده، يكاد يكون معدوما لا أثر له لدى كثير من المتعلمين في العالم الإسلامي، ولعل منهج التدريس قد ساهم في فقدان التعلم الذاتي، إذ يعتمد على إلقاء الدرس من قبل المعلم أو الأستاذ والإنصات من التلاميذ أو الطلبة، ثم استحضار ما قاله يوم الامتحان. فليس خافيا أنه لا يوجد هـناك حث على القراءة خارج الفصول ولا ترغيب في الاعتماد على الذات في تحصيل العلم، لذلك فقد التعلم الذاتي قيمته وأهميته.

          ناهيك عن أن هـذا النوع من التعلم يحتاج إلى طول صبر ورياضة نفس ورباطة جأش ومضاء عزيمة، وهي أمور يعدها المتعلمون المحدثون، [ ص: 125 ] ولا سيما في العالم الإسلامي، ضربا من الخيال لولا أن سـير الأئمة الأعلام تشهد على أنها حقيقة وليست خيالا، بل لو لم يكن ذلك ديدنهم وخلقهم في التعلم وتحصيل التعليم لما بلغوا في العلم مبلغا عظيما. ولعل من أهم الأمور التي يستدل بها على ما كان عليه العلماء من شدة الصبر وقوة العزيمة في طلب العلم ما تجده في سير عظمائهم من الرحلة في طلب العلم، حتى أصبحت صفة يتسم بها من أراد تحصيل مزيد من العلم، وعلامة بها يعرف الأعلام ويميز الأفذاذ، رغم ما كان في السفر آنذاك من مشاق ومتاعب لا يطيقها إلا أفراد قلائل ممن أراد الله بهم خيرا [1] .

          وبناء على ذلك، فإن مراكز البحوث والدراسات في العالم الإسلامي يكون لها دور كبير في بناء التعليم الذاتي وبثه بين المتعلمين من أبناء هـذه الأمة، حيث إن هـذه المهمة وإن عجزت عنها المؤسسات التعليمية النظامية فإن بإمكان مراكز البحوث تكميل هـذا العجز المؤسساتي، وذلك من خلال نشر الروح العلمية توعية وتشويقا إلى التعلم وإنشاء المكتبات العمومية، فضلا عن تشجيع خريجي الجامعات على القيام بأبحاث ودراسات في تخصصاتهم مما يعمق التعليم الذاتي ويجذره في أنفسهم، لأن الأبحاث والدراسات والتأليف لابد أن يعتمد فيها الباحث على نفسه، فإذا [ ص: 126 ] تعود على ذلك شيئا فشيئا، تكون مراكز البحوث والدراسات قد غرست في نفسه التعلم الذاتي، سواء شعر بذلك أو لم يشعر، إذا حصل المقصود ووقع المراد. وهذه الأمور قد سبق الحديث عن بعضها، ولذا فسأتحدث في هـذا المقام عن جملة من مهمات الأمور التي تساعد على نشر التعلم الذاتي بين المتعلمين، فضلا عما تقدم ذكره.

          أ - عدم الاكتفاء بحجرات الدرس في التعلم يخطئ كثير من المتعلمين في العالم الإسلامي حين يظنون متوهمين أن عملية التعليم محصورة في المدارس والمعاهد والجامعات، أو بالأحرى في حجرات الدرس وقاعات المحاضرات فحسب. والحقيقة المؤلمة أن هـذا التصور الخاطئ لعملية التعليم هـو المهيمن على عقول أكثر المتعلمين، وعليه فمن تخرج انقطعت صلته بالتعلم وقلى العلم، فضلا عما ترسخ في عقول المتعلمين من أن الغاية من التعليم إنما هـي حصول على الشهادة ثم التوظيف، فإذا حصل ذلك، فإلى هـذا الحد يقف مبلغه من العلم. ونظرا لخطورة هـذا الأمر على البناء التعليمي في العالم الإسلامي، فإن لمراكز البحوث والدراسات أن توسع من نشاطاتها لكي تمحو هـذا التصور الخاطئ للتعليم محوا، والذي استكن في عقول المتعلمين وهيمن على سلوكهم العلمي، واستبداله بالتصور الإسلامي الذي يرى أن التعليم عملية مستمرة داخل حجرات الدرس وخارجها. ومعنى ذلك أن يتم ترسيخ عدم الاكتفاء بحجرات الدرس في التعلم في عقول أبناء المدارس والمعاهد والجامعات، بل [ ص: 127 ] على المتعلم أن يبذل قصارى جهده خارج حجرات الدرس لتحصيل العلم وتنميته، بل إن التنمية العلمية الحقيقية إنما تحصل خارج حجرات الدرس.

          ولذا، فمن الأهمية بمكان أن تسعى المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والدراسات في العالم الإسلامي من أجل توعية المتعلمين بأن الاعتماد على حجرات الدرس في التعلم لا يحقق الغاية المرجوة من التعليم، ولا يساهم في إحداث نهضة علمية، بل يساهم في تراجعه وانحطاطه. ولعل من أهم الأمور التي تساعد على اجتثاث هـذا التصور الخاطئ لعملية التعليم واستبداله بالتصور الإسلامي الصحيح أن تسعى المؤسسات العلمية ومراكز البحوث إلى فتح نوادي ثقافية تعليمية من شأنها أن تستوعب الخريجين في مختلف مراحل التعليم، وتساعدهم على مزيد من التعلم، وتحثهم على ذلك حثا فيه رفق ورعاية.

          وزيادة على ذلك، فإنه بإمكانها استخدام وسائل الاتصالات الحديثة، ولاسيما أن لها تأثيرا قويا في أنفس الشباب، وسرعة في الوصول، وسهولة في الاستعمال، لكي تحث الشباب الإسلامي وتحرضهم على التعلم المستمر الذي لا يقتصر على حجرات الدرس وقاعات المحاضرات. ولذا، فمن خلال هـذا العمل المتواصل والتوعية المستمرة ونشر الروح العلمية، يحصل الاعتماد على الذات في التعلم، ولا يكتفى بحجرات الدرس دون سواها.

          بالإضافة إلى ذلك، فإن بيان مواضع التعليم عند المسلمين الأوائل فيه دلالة كافية على أن عملية التعليم لـم تكن مقصـورة على مـكان معين [ ص: 128 ] لا تتعداه، وموضع معلوم لا تتجاوزه، بل إن التعليم الإسلامي قد استثمر كثيرا من المواضع لنشر العلم؛ فمن المنازل إلى المساجد، ومن الكتاتيب إلى الحوانيت، ومن البلاطات إلى الدكاكين، وهذه المواضع كانت قبل ظهور المدارس. ثم ظهرت المدارس في المجتمعات الإسلامية وبدأت تنتشر انتشارا سريعا نظرا لما حققته من نجاح في أداء وظيفتها التعليمية. زد على ذلك، فإن انتشار المدارس في العالم الإسلامي قد أدى إلى انتشار المكتبات لتصبح موضعا مهما من مواضع التعليم لدى المسلمين. والحاصل أن توعية المتعلمين في العالم الإسلامي وتعريفهم بمواضع التعليم عند أسلافهم يغرس في أنفسهم عدم الاكتفاء بحجرات الدرس والاعتماد عليها دون سواها في التعلم وتحصيل العلم.

          ب - بث الطموح العلمي بين المتعلمين لا تنال المعالي إلا بشق الأنفس والتضحية، وإن من معالي الأمور وأولاها بالتقديم والاهتمام تحصيل العلم، بحيث يكون الإنسان مهيئا للعطاء العلمي ومؤهلا لذلك تأهيلا ينم عن تضحية، بفضل ما يبذله من جهد ومثابرة في سبيل ذلك. وهذه الأمنية لا تتحقق إلا لمن كان له طموح علمي، بحيث لا يقنع بوضعه الذي هـو عليه، بل إنه يدأب دأبا مستمرا لتحسين وضعه المعرفي وتحصيل أكثر ما يمكن من العلم، وليكن على بينة أنه مهما بلغ من العلم مبلغا فهو قليل، وأنه فوق كل ذي علم عليم، وأن يطلب المزيد باستمرار كما أوصـى الله جل جلاله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك تنبيها لنا وتعليما، فقال تعالى: [ ص: 129 ] ( وقل رب زدني علما ) (طه:114)

          ولذلك قال سعيد بن جبير : «لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون»



          [2] .

          وهذا الطموح العلمي لدى المتعلمين في العالم الإسلامي هـو الذي يساعد في البناء التعليمي وتشييد صرحه وتعليته، ويساهم في إحداث ثورة علمية تخرج الأمة من تخلفها العلمي وانحطاطها المعرفي وتراجعها الحضاري. وعليه، فليس بمستغرب أن نرى أبناء العالم الغربي لديهم طموح علمي يكاد يبلغ عنان السماء، بحيث تجد أحدهم يعكف طوال حياته على الدرس والبحث والمطالعة، ولا يصيبه سأم، ولا يتطرق إليه ملل، ولا يعتريه ضجر، لأن لديهم طموحا علميا ليس له حدود.

          وأما وضع المتعلمين في العالم الإسلامي فإنه يدعو إلى الشفقة والتألم من فقدان الطموح العلمي لدى الغالبية العظمى من أبنائه. ولعل فقدان مثل هـذا الطموح في مجال العلم والتعلم جعلهم يعرضون عن القراءة والمطالعة والبحث خارج حجرات الدرس وقاعات المحاضرات، ولا يعيرون اهتماما لتنمية مستواهم العلمي، نظرا لفقدانهم أي طموح علمي يمكن أن يدفعهم تجاه البناء التعليمي المستمر طيلة الحياة. وبناء على هـذا الوضع المتردي لدى المتعلمين في العالم الإسلامي، وضعف الهمم، فيكون من مشاريع [ ص: 130 ]

          المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والدراسات إعادة بث الطموح العلمي الذي اتصف به علماؤنا الأوائل، فبلغوا حظا من العلم وافرا.

          وفي هـذه المهمة الجسيمة يمكن أن تستعين مراكز البحوث والدراسات بوسائل الاتصال الحديثة من قنوات إذاعية مرئية ومسموعة ومواقع «الإنترنيت» وغيرها، مما يساعدهم على أداء هـذه المهمة وتعميمها في وقت قصير. وعلى الجملة، لابد أن تسعى المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والدراسات في العالم الإسلامي بكل الوسائل المشروعة والطرق المباحة لإعادة حيوية التعليم وفاعليته، وذلك بإحياء الطموح العلمي لدى المتعلمين من أبنائها.

          ج - الاهتمام بالتعليم المستمر يلاحظ المتتبع لأمر التعليم في العالم الإسلامي أن في كل مرحلة من مراحل التعليم النظامي تنقطع نسبة كبيرة من المتعلمين عن مواصلة التعليم؛ ففي مرحلة التعليم الابتدائي يتخلى كثر من الصبية عن المدرسة إما رغبة عن التعليم أو بسبب الرسوب في الامتحانات أو غير ذلك. ثم في مرحلة التعليم الثانوي يقع الشيء نفسه وللأسباب نفسها، ولا يصل إلى التعليم الجامعي إلا فئة قليلة، وهؤلاء أيضا يتوقف كثير منهم عن مواصلة التعلم. ومعنى ذلك أن نسبة كبيرة من أبناء العالم الإسلامي خارج دائرة التعليم النظامي، ونظرا للمعنى السائد بأن التعليم محصور في حجرات الدرس، فتنقطع صلة هـذه النسبة الكبيرة من أبناء المجتمعات الإسلامية بالعلم والتعليم، وتصبح كلا على الأمة الإسلامية. فهذه المشكلة الخطيرة على البناء التعليمي في عالمنا [ ص: 131 ] الإسلامي، والتي بطبعها تعرقل سيـر التنمية العلمية والنهضة التعليمية، تدعو المسئولين عن سياسة التعليم وتدبير شئونه أن يفكروا جادين لحل هـذه المعضلة، إيمانا منهم أنه لا يمكن تحقيق تنمية علمية ونسبة كبيرة من أبناء الأمة معرضة عن التعليم منقطعة صلتها بدور العلم.

          وفي تقديري المتواضع أن الاهتمام بالتعليم المستمر، سواء من قبل المؤسسات التعليمية أو من قبل مراكز البحوث والدراسات ، يساهم إلى حد كبيـر في إزالة هـذه المشكلة وتلاشيها. وقد تقدمت الإشارة إلى معنى التعليم المستمر وأنه يقابل التعليم النظامي، بحيث تتاح فرص التعليم لنسبة كبيرة من أبناء المجتمعـات الإسـلامية الذين لم يتمـكنوا لسبب أو لآخر من الالتحاق بالتعليم النظامي أو التحقوا ثم انقطعوا عنه.

          وهذا النوع من التعليم، أعني التعليم المستمر، ليس هـو التعليم الذاتي الذي أشرت إليه آنفا، إذ قد يشتبه أمرهما على كثير من الباحثين، والفرق بينهما أن التعليم الذاتي يكون بتوعية المتعلم نفسه للاعتماد اعتمادا ذاتيا في تحصيل العلم، ولا يقتصر عما يسمعه في حجرات الدرس فحسب، بينما التعليم المستمر يقوم بمهمة تعليم من عجز التعليم النظامي عن توفير فرصة له، حيث إن التعليم النظامي مهما توسع في استيعاب المتعلمين فإنه لا يقدر على استيعاب كل من رغب في التعلم، ولا أن يوفر التعليم للصبية كلهم في عالمنا الإسلامي. لكن الملاحظ أن كلا النوعين متكاملان، لأن التعلم الذاتي يتضمن الاستمرار في تحصيل العلم طيلة الحياة، وهذا المعنى نفسه متوفر أيضا في التعليم المستمر. [ ص: 132 ]

          وبناء على ذلك، فيمكن أن يتم الاهتمام بالتعليم المستمر وتوفيره لأبناء المجتمعات الإسلامية عن طريق التعاون والتنسيق بين المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والدراسات، بحيث لا يحتاج الأمر إلى تكاليف مادية باهظة، بل يمكن أن تستخدم مباني التدريس النظامي لهذه المهمة في غير أوقات التدريس مثل التعليم الليلي. فيقع استخدام المواضع نفسها للتعليم النظامي والتعليم المستمر إذا تم التعاون والتنسيق، والأمر يسير لكن بعض الأنظمة والقوانين تجعله عسيرا، لأنها لا تعير التعليم المستمر أي اهتمام. وهذا لا يعني أن العالم الإسلامي خلو من التعليم المستمر، بل هـناك بعض الأقطار الإسلامية التي تمارس مثل هـذا النوع من التعليم، إلا أن التعليم المستمر بهذا الوضع الحالي ليس شاملا للعالم الإسلامي كله، بل هـو محلي.

          بالإضافة إلى ذلك، فإن هـناك وسيلة أخرى يمكن استخدامها وتحقق التعليم المستمر، بحيث يتخذ صفة العالمـية، فتكون على مستوى العالم الإسلامي، كله وأعني بذلك الجامعات المفتوحة [3] . فتكوين جامعات مفتوحة على مستوى العالم الإسلامي تتيح فرصا كثيرة لتعليم أكبر نسبة ممكنة من المسلمين، فضلا عن أنها تعمل على استثمار قدراتهم العلمية وتنميتها بدل الضياع والتلاشي إذا ما تركوا بدون تعليم. ولذا، فإنشاء جامعة مفتوحة في العالم الإسلامي تحتاج إلى جهد كبير وتنسيق وتعاون [ ص: 133 ]

          بين المؤسسات التعليمية النظامية ومراكز البحوث والدراسات. وزيادة على ذلك، فإن هـناك بعض الجامعات الإسلامية المفتوحة مثل الجامعة التي بأمريكا وسميتها بلندن وغيرهما إلا أنها خارج العالم الإسلامي، ولا يعني ذلك التنقيص من قيمتها وأدائها، ولكن الأولى أن يكون في العالم الإسلامي مثيلاتها، حتى يتم التعرف عليها من قبل أبناء الأمة الإسلامية ويستفيدوا من خدماتها، ناهيك عن أن بعض الدول العربية قد قامت بإنشاء جامعات مفتوحة، إلا أن انتشارها واستخدامها لا يزال محدودا في معظم دول العالم الإسلامي ومجهولا في بعضها الآخر.

          وعلى الجملة، فهذا ما عن لي من حديث عن دور مؤسسات البحث العلمي ومراكز الدراسات، فضلا عن المؤسسات التعليمية في البناء التعليمي، وما ينبغي أن تبذله من جهد متواصل ومكثف من أجل نشر الروح العلمية، توعية وتشويقا وإنشاء للمكتبات العمومية. يضاف إلى ذلك الاعتناء بالبحث العلمي نظرا لما له من أهمية كبرى وخطورة قصوى في البناء التعليمي، ويكون ذلك بالتشجيع عليه، ومد يد المساعدة ماديا ومعنويا للباحثين والدارسين في مختلف الميادين المعرفية والعلمية. زد على ذلك محاولة الاستفادة من الأوقاف الخيرية لتمويل مؤسسات البحث العلمي ومراكز الدراسات، وألا تهمل في مشاريعها التعليمية استقطاب الأدمغة الإسلامية المهاجرة، نظرا لحاجة العالم الإسـلامي إليهم، وذلك لما يتمتعون به من كفاءات وقدرات في ميدان البحث العلمي، لاسيما أن تخصصاتهم هـي من آكد الاختصاصات لدى أقطار العالم الإسلامي، بل [ ص: 134 ] وآكدها ضرورة وحاجة. وثمة أمر آخر أكدته كثيرا أثناء بيان دور مؤسسات البحث العلمي ومراكز البحوث والدراسات في التنمية التعليمية والنهضة العلمية، وهو مسألة التعريب والترجمة والتأليف، ومحاولة تنسيق هـذه الجهود محليا على مستوى كل بلد إسلامي، فضلا عن تنسيقها عالميا على مستوى أقطار العالم الإسلامي جميعا، لما لهذا التنسيق من أثر فعال ودور حيوي في البناء التعليمي وتشييد صرحه وتعليته.

          وأما آخر مسألة أكدتها في هـذا الصدد فتتعلق بالتعلم الذاتي وعدم الاكتفاء بحجرات في عملية التعليم، فضلا عن الطموح العلمي، وهي مسألة لابد أن تستكن في الوعي الجمعي للأمة الإسـلامية، وتصبح جزءا لا تتجزأ من ثقافتها، إن هـي أرادت بناء تعليمها بناء يحقق نهضة حضارية وتقدما علميا. يضاف إلى ذلك كله، الاهتمام بالتعليم المستمر لما له من علاقة بالتعلم الذاتي، بحيث إذا بذلت المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والدراسات جهودا في سبيلها، وقامت بنشرها بين أبناء الأمة الإسلامية، فقد ساهمت في إيجاد مجتمع متعلم يمكن أن ينهض بالبناء التعليمي إلى أرقى المستويات وأسمى الدرجات.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية