الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          1- هـدف التنمية الإسلامية

          إن المشاريع التنموية مهما اختلفت أهدافها أو تعددت أغراضها، فإنها تتفق في الهدف العام والمتمثل في تحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته، وتقدم وتطور المجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. وعلى الرغم من هـذا الاتفاق فقد اختلفت المناهج المستخدمة لتحقيق ذلك، وهذا الاختلاف سببه الرئيس موقف التنموييـن من العملية التنمـوية؛ هـل هـي وسـيلة أم غاية؟ فالذي يرى أن التنمية وسيلة لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته، ففي هـذه الحال تكون التنمية خادمة للإنسان محققة لمصـالحه، وأما من يرى أنها غاية في ذاتها فيجعل الإنسان خادما لها ولو كان ذلك على حساب سعادته، وفي هـذا الموقف تكون التنمية من أجل التنمية وليست من أجل الإنسان.

          ولعل العالم الغربي المعاصر خير مثال يوضح لنا الموقف الثاني الذي يتخذ التنمية غاية لا وسيلة. فالعالم الغربي اتخذ من التنمية الاقتصادية غاية في حد ذاتها، ولذلك كان مقياسها الإنتاج ليس سعادة الإنسان نفسه؛ فإذا حدثت تنمية وتطوير في الإنتاج فقد حقق تنمية اقتصادية ولو رافق ذلك تخلف الإنسان نفسه وتدهور العلاقات الاجتماعية وشقاء كثير من أبناء هـذا المجتمع. ولذا، فإن هـذا الموقف الغائي من التنمية جعلت الإنسان الغربي يكدح ليلا نهارا لخدمة التنمية من أجل زيادة الإنتاج وتطويره [ ص: 95 ] وتحسينه، وإن كان يظن ظنا قويا أن التنمية خادمة له ومحققة لمصالحه، ولكن الواقع يكذب هـذا الظن، إذ على الرغم من حصول تنمية اقتصادية، فإن المجتمعات الغربية تعاني من المشكلات الاجتماعية ضروبا ومن الظواهر الإجرامية ألوانا وعديدا من النـزعات غير الأخلاقية وغيرها [1] ، مما يدل دلالة واضحة على أن التنمية الاقتصادية لم تحقق سعادة للإنسان الغربي لأنها كانت غاية في حد ذاتها وقد حققها فعلا فلا مزيد عليها.

          وأما الموقف الإسلامي من التنمية على غرار ما تقدم من كلام على المنظور الإسلامي لها فتعد وسيلة لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته في الدنيا والآخرة. وهذا الموقف مبني على التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان حيث «إن الإنسان غاية جميع ما في الطبيعة، وكل ما في الطبيعة مسخر له» [2] ،

          كما في قوله تعالى: ( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (الجاثية:12-13) ، [ ص: 96 ]

          وقولـه تعالى: ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) (الملك:15) .

          وأنزل القرآن من أجل الإنسان أيضا كما قال تعالى:

          ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (النحل:44) ،

          وخلق الإنسان وجعل حياته مقصدا شرعيا لابد من المحافظة عليها، فلا يجوز الاعتداء عليها بدون حق؛ ولذلك كله حرم القتل تحريما فيه غلظة وشدة كما قال تعالى:

          ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) (النساء:93) ،

          وسبب ذلك أن القتل يحول بين الإنسان وبين تحقيق مهمته في الاستخلاف، وفي ذلك قضاء على عمارة الكون وتنميته واستثمار ما فيه.

          وبناء على ذلك، فإن هـدف التنمية الإسلامية هـو الإنسان، ولذا تكون العملية التنموية وسيلة غايتها تحقيق سعادة الإنسان المادية والمعنوية تحقيقا ينسجم مع قصد الشارع من استخلافه في الأرض. إذن، فالإنسان هـو محور التنمية الإسلامية وهدفها الوحيد، ولذلك عندما قدمت تعريفا للتنمية من منظور إسلامي أكدت على محورية الإنسان في هـذه العملية، بحيث جعلتها تطويرا شاملا لقدرات الإنسان ومهاراته المادية والمعنوية. فكون الإنسان محورا للتنمية الإسلامية وغايتها يعطي أولوية للتعليم بحيث يعتنى بالتنمية التعليمية ويركز عليها قبل غيرها من مجالات التنمية المتنوعة. [ ص: 97 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية