الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          التعليم وإشكالية التنمية

          حسن بن إبراهيم الهنداوي

          المعرفة: مفتاح التنمية

          يلاحظ الناظر في تاريخ الأمم، قديمها وحديثها، أن تحضرها ورقـيها كان مرتبطا بالعلم ارتباطا وثيقا، كما أن تخـلفها وانحطاطها كان مرتبطا بالجهل ارتباطا وطيدا. ولذا، فليس غريبا أن يرتبط التحضر والتقدم بالعلم، والتخلف والتدهور بالجهل. فبالعلم تحضرت أمم وتركت تراثا شاهدا على مدى مبلغها من العلم والتحضر والرقي، وبالجهل وعدم الاعتناء بالعلم والتعليم تخلفت وتدهورت أمم؛ فلم تذكر في التاريخ إلا موصومة بالتخلف والبداوة والهمجية. ناهيك عن أن الأمم التي أصيبت حضارتها بتراجع [1] ؛ فوقعت في مأزق التخلـف والجمود والانحطـاط، لم يكن أمامها سبيل للنجاة من ذلك كله إلا بالمعرفة.

          ومن ثـم، فإن التعليم ليس سبيلا مهما للتحضر فحسب، بل يعد أيضا سبيلا للنجاة والخلاص من المأزق الحضاري الذي تتردى فيه أمة من [ ص: 40 ] الأمم بعد أن شهدت تطورا ورقيا وازدهارا. وعليه، فـ «يكون الجانب العلمي وحده مدار القياس لدرجات التقدم والتخلف بين الأفراد أو الشعوب» [2] .

          ولذا، فلا غرو أن يهتم الباحثون والدارسون للحضارات ونمو الأمم وتطورها بالنظر إلى التعليم، تأليفا وبحثا ودراسة، بيانا لأهميته في تكوين حضارة أمة ما، إذ التعليم محور أساس للتنمية والنهوض الحضاري. وبعبارة أخرى، فإن أي أمة تنشد تشييد حضارة تشييدا يخلد ذكرها فلا بد أن تتخذ من التعليم نقطة الانطلاق، من أجل تحقيق ما تصبو إليه، وما ترغب في الحصول عليه.

          وبناء على ذلك، فلا يكاد يخلو مؤتمر أو ندوة علمية أو حلقة دراسية مخصصة للحديث عن النهضة والتنمية في العالم الإسلامي إلا وتجد الصدارة فيها للتعليم، ويقع التركيز عليه أكثر من غيره [3] . وزيادة على [ ص: 41 ] ذلك، فإن التعليم يكون أول اهتمـامات زعماء الإصلاح جميعا في أي أمة من الأمـم، إذ إن سيـرة كل منهم شـاهدة عـلى ما قررناه [4] . فلا غرابة أن يهتم زعماء الإصـلاح وقادة الفكر في العالـم الإسلامي بأمر التعليم لإصـلاحه إبان اليقظـة الإسـلامية الحـديثة. وليس بغريب أيضا أن يتخذ العالـم الإسـلامي من التعليم سـبيلا مهما للتنمية والنهضة، بل يجعله المحور الأسـاس في بناء الحضارة الإسـلامية، أو استئنافها من جديد.

          وللعلم والتعليم تاريخ طويل، بدأ منذ وجد الإنسان على هـذه الأرض، متمثلا في آدم وذريته من بعده، فالله كرم آدم وأسجد له ملائكته وجعله خـليفة له في الأرض بفضيلة العلم التي خصه بها من بين سائر مخلوقاته،

          إذ إن قوله تعالى: ( إني جاعل في الأرض خليفة ) (البقرة:30) ،

          محض إخبار جعل وسيلة لما صدر من الملائكة من التعجب الذي جر إلى إظهار فضيلة آدم بالعلم والتعليم الذي صدر

          [ ص: 42 ] منه للملائكة حتى استـحق أن يسجـدوا له» [5] .

          ولذا، فإن العلم والتعليم لا تقف نشأتـهما عند أمة بذاتها ولا شعب بعينه، بل ساهم فيهما بنو البشـر جميعا، كل بنصيب، وقد أشـار إلى هـذه الحقيقة المهمة في تاريخ العلـم أحد كبار المؤرخـين له وهو جورج سارتون George Sarton بقولـه: «ومما أفسـد فهم العلم القديـم كثيرا من الأحيان ظاهرتان من الإهمال الذي لا يمكن التسـامح فيهما، الظاهرة الأولى تتعلق بإهمال العلم الشرقي، فمن سـذاجة الأطـفال أن نفترض أن العلـم بدأ في بلاد الإغـريق، فإن المعجـزة اليونـانية سـبقتها آلاف الجهود العلمـية في مـصر وبلاد ما بيـن النهرين وغيـرها من الأقـاليم، والعلم اليونـاني كان إحـياء أكـثر منه اختراعا» [6] . [ ص: 43 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية