الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الثالثة : إذا كاتب الشريكان معا ، ثم أعتق أحدهما نصيبه عتق . وهل يسري إلى نصيب الشريك إن كان موسرا ؟ وجهان أو قولان .

                                                                                                                                                                        الصحيح المشهور : يسري . وفي وقت السراية قولان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : في الحال ، لئلا تتبعض الحرية .

                                                                                                                                                                        وأظهرهما : لا يثبت في الحال ؛ لأنه قد انعقد سبب الحرية في النصف الآخر ، وفي التعجيل ضرر على السيد ؛ لفوات الولاء ، وبالمكاتب بانقطاع الولد والكسب عنه .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : تتعجل السراية ، فهل تنفسخ الكتابة في نصيب الشريك ، أم يسري العتق مع بقاء الكتابة ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        الصحيح وبه قطع الجمهور : تنفسخ ؛ لأن الإعتاق أقوى من الكتابة ، فعلى هذا يعتق كله على الشريك للمعتق ، ويكون له الولاء .

                                                                                                                                                                        والثاني : يسري العتق مع بقاء الكتابة ؛ لئلا يبطل حق الغير ، فعلى هذا ولاء النصف الآخر للشريك ، لا للمعتق حينئذ .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : لا تتعجل السراية ، فأدى نصيب الآخر من النجوم عتق عن الكتابة ، وكان الولاء بينهما .

                                                                                                                                                                        وإن عجز ، وعاد إلى الرق ثبتت السراية حينئذ ، ويكون الولاء كله للمعتق ، ويجيء الخلاف في أنها ثبتت بنفس العجز ، أم بأداء القيمة ، أم يثبت بأداء القيمة حصول التعليق من وقت العجز ، ويجري هذا الخلاف على قولنا بتعجيل السراية .

                                                                                                                                                                        وإن مات قبل الأداء والعجز ، فقد [ مات ] بعضه رقيقا وبعضه حرا . وهل يورث ؟ فيه القولان السابقان في الفرائض .

                                                                                                                                                                        ولو أبرأه أحد الشريكين عن نصيبه من النجوم ، فهو كما لو أعتقه ، والقول [ ص: 239 ] في السراية ، وفي وقتها كما ذكرنا لو أعتق أحدهما نصيبه . ولو قبض أحدهما نصيبه من النجوم برضى صاحبه ، فهل يعتق نصيبه ؟ فيه خلاف سنذكره في الحكم الثاني إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : يعتق ، فهو كالإعتاق في السراية ووقتها .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : ولا نقول : إنه مجبر على القبض فلا يسري ؛ لأنه مختار في إنشاء الكتابة التي اقتضت إجباره على القبض ، فهو كما لو قال أحد الشريكين : إذا طلعت الشمس فنصيبي حر ، فإذا طلعت عتق نصيبه وسرى ؛ لأنه مختار في التعليق .

                                                                                                                                                                        ولو كاتب عبدا ومات عن ابنين ، فعتق أحدهما نصيبه ، وقلنا : يعتق نصيبه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى لم يسر ؛ لأنه مجبر على القبض وابتداء الكتابة لم يصدر منه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال العبد لمالكيه وقد كاتباه : قد أعطيتكما النجوم ، وأنكرا ، صدقا باليمين ، وإن صدقه أحدهما ، وكذبه الآخر ، عتق نصيب المصدق ، ويصدق المكذب بيمينه .

                                                                                                                                                                        وهل يسري العتق ؟ فيه خلاف سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى ، والمذهب : المنع ، والاختلاف في غير النجم الأخير كالاختلاف فيه ؛ لأن العتق لا يحصل بغير الأخير .

                                                                                                                                                                        ولو قال المكاتب لأحدهما : دفعت إليك جميع النجوم لتأخذ نصيبك ، وتدفع نصيب الآخر إليه ، فقال : دفعت إلي نصيبي ، ودفعت نصيب الآخر إليه بنفسك ، وأنكر الآخر القبض ، عتق نصيب المقر ، وصدق في أنه لم يقبض نصيب الآخر بيمينه ، وصدق الآخر في أنه لم يقبض [ ص: 240 ] نصيبه ، ولا حاجة إلى اليمين ؛ لأن المكاتب لا يدعي عليه شيئا .

                                                                                                                                                                        ثم يتخير المنكر بين أن يأخذ حصته من النجوم من العبد ، وبين أن يأخذ من المقر نصف ما أخذ ؛ لأن كسب المكاتب متعلق حقهما بالشركة ، ويأخذ الباقي من العبد ، ولا تقبل شهادة المقر عليه ؛ لأنه متهم بدفع المشاركة عنه .

                                                                                                                                                                        وإذا عجز المكاتب عما طالب المنكر به ، فله تعجيزه وإرقاق نصيبه . ثم عن نصه في " الإملاء " أنه يقوم ما أرقه على المقر ، ونقله ابن سلمة ، وابن خيران إلى الصورة السابقة ، وجعلوا التقويم عند العجز في الصورتين على قولين ، وامتنع الجمهور من نقله إلى تلك الصورة ، وفرقوا بأن العبد هناك يقول : أنا حر كامل الحال فلا يستحق التقويم ، وهنا يعترف بأن نصيب المنكر منه لم يعتق .

                                                                                                                                                                        ولو قال المكاتب لأحدهما : دفعت النجوم إليك لتأخذ نصيبك وتدفع نصيب الآخر إليه ، كما صورنا ، فقال في الجواب : قد فعلت ما أمرت به فأنت عتيق ، وأنكر الآخر ، عتق نصيب المقر ، وصدق المنكر بيمينه ، فإذا حلف بقي نصيبه مكاتبا ، وله الخيار بين أخذ حصته من المكاتب ، وبين أخذه من المقر لإقراره بأخذها ، ومن أيهما أخذ ، عتق نصيبه .

                                                                                                                                                                        ثم إن أخذها من المكاتب فله الرجوع على المقر ؛ لأنه وإن صدقه في الدفع إلى الشريك ، فإنه كان ينبغي أن يشهد عليه .

                                                                                                                                                                        وإن أخذها من المقر فلا رجوع له على المكاتب ؛ لاعترافه بأنه مظلوم . فإذا اختار الرجوع على المكاتب ، فلم يأخذ حصته من المقر ، ولم يدفعها إلى المنكر ، وعجز نفسه ، فنصفه حر ، ونصفه رقيق ، فيقوم على المقر فيأخذ المنكر منه قيمة النصف ، ويأخذ أيضا ما أقر بقبضه له ، فإنه كسب النصف الذي كان ملكه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية