الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : دار في يده جاء اثنان ، قال كل منهما : بعتك هذه الدار ، وكانت ملكي بكذا ، فأد الثمن ، فإن أقر لهما ، طولب بالثمنين ، وإن أقر لأحدهما ، طولب بالثمن الذي سماه ، وحلف للآخر ، وإن أنكر ما ادعياه ، ولا بينة حلف لهما يمينين ، وإن أقام أحدهما بينة قضي له ، وحلف للآخر ، وإن أقاما بينتين ، نظر إن أرختا تاريخين مختلفين ، لزمه الثمنان ، لإمكان الجميع ، وإن اتحد تاريخهما بأن أرختا بطلوع الشمس ، أو زوالها ، تعارضتا ، لامتناع كونه ملكا في وقت واحد لهذا وحده ، ولذاك وحده ، فعلى قول السقوط كأنه لا بينة ، وعلى القرعة يقرع ، فمن خرجت قرعته ، قضي له بالثمن الذي شهدت به بينة ، وللآخر تحليفه بلا خلاف ؛ لأنه لو اعترف به بعد ذلك لزمه ، وعلى القسمة لكل واحد نصف الثمن الذي سماه ، وكأن الدار لهما وباعاه بثمنين متفقين أو مختلفين ، وفي مجيء الوقف الخلاف السابق ، والمذهب مجيئه ، وإن كانت البينتان مطلقتين أو إحداهما مطلقة ، والأخرى مؤرخة ، فوجهان ، أصحهما أنهما كمختلفتي التاريخ ، فيلزمه الثمنان لإمكان الجمع ، والثاني : أنهما كمتحدتي التاريخ ؛ لأن الأصل [ ص: 73 ] براءة ذمة المشتري ، فلا يلزمه إلا اليقين ، وبهذا قال القاضي أبو حامد ، وابن القطان ، فعلى هذا يعود خلاف التعارض وفيه طريق ثان وهو القطع بالوجه الأول ، وقيل : إن شهدت البينتان على الإقباض مع البيع ، وجب الثمنان قطعا ، ولو شهدت البينتان على إقرار المدعى عليه بما ادعيا ، فالصحيح أن الحكم كما لو قامتا على البيعين ، فينظر أقامتا على الإقرار مطلقا ، أم على الإقرار بالشراء من زيد في وقت ، ومن عمرو كذلك ، وقيل : يجب الثمنان ، وإن كانت الشهادة على الإقرارين مطلقا ، وما ذكرناه من أنهما إذا أرختا تاريخين مختلفين يلزمه الثمنان يشترط فيه أن يكون بينهما زمن يمكن فيه العقد الأول ، ثم الانتقال من المشتري إلى البائع الثاني ، ثم العقد الثاني ، فإن عين الشهود زمنا لا يتأتى فيه ذلك ، لم يجب الثمنان ، قال الإمام : ولو شهد اثنان أنه باع فلانا في ساعة كذا ، وشهد آخران أنه كان ساكنا تلك الحالة ، أو شهد اثنان أنه قبل فلانا ساعة كذا ، وآخر أنه كان ساكنا تلك الحالة لا يتحرك ولا يعمل شيئا ، ففي قبول الشهادة الثانية وجهان ؛ لأنها شهادة على النفي ، وإنما تقبل شهادة النفي في المضايق ، وأحوال الضرورات ، فإن قبلناها ، جاز التعارض .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح القبول ؛ لأن النفي المحصور كالإثبات في إمكان الإحاطة به . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الأكثرون : صورة المسألة أن يقول كل واحد : بعتك كذا [ ص: 74 ] وهو ملكي وهكذا لفظ الشافعي رحمه الله في " المختصر " ، وقال أبو الفياض : لا يشترط ذلك ، وإذا قلنا : بالقسمة عند التعارض ، فقسم الثمن بلا خيار لصاحب اليد ؛ لأنه حصل له تمام البيع ، ولا غرض له في عين البائع ، وقال ابن القطان : له الخيار ، فقد يرضى بمعاملة واحد دون اثنين .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية