الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رواية أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، حدثني النضر بن شميل المازني ، حدثنا أبو نعامة ، حدثنا أبو هنيدة البراء بن نوفل ، عن والان العدوي ، عن حذيفة ، عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فصلى الغداة ، ثم جلس حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب ، كل ذلك لا يتكلم ، حتى صلى العشاء الآخرة ، ثم قام إلى أهله ، فقال الناس لأبي بكر : ألا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه ؟ صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط . فسأله ، فقال : " نعم ، عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا وأمر الآخرة ، يجمع الأولون والآخرون بصعيد واحد ، ففظع الناس بذلك ، حتى انطلقوا إلى آدم والعرق يكاد يلجمهم ، فقالوا : يا آدم ، أنت أبو البشر ، أنت اصطفاك الله ، اشفع لنا إلى ربك . فقال : لقد لقيت مثل [ ص: 219 ] الذي لقيتم ، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم ، إلى نوح ، عليه السلام ، إن الله اصطفى آدم ونوحا . قال : فينطلقون إلى نوح ، عليه السلام ، فيقولون : اشفع لنا إلى ربك ، فأنت اصطفاك الله ، واستجاب لك في دعائك ، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا . فيقول : ليس ذاكم عندي ، انطلقوا إلى إبراهيم ; فإن الله اتخذه خليلا . فينطلقون إلى إبراهيم ، فيقول : ليس ذاكم عندي ، ولكن انطلقوا إلى موسى ؟ فإن الله كلمه تكليما . فيقول موسى : ليس ذاكم عندي ، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم ؟ فإنه يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى . فيقول عيسى : ليس ذاكم عندي ، ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم ؛ فإنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ، انطلقوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع لكم إلى ربكم . قال : فينطلقون ، فيأتي جبريل ربه ، فيقول الله تعالى : ائذن له وبشره بالجنة . قال : فينطلق به جبريل ، فيخر ساجدا قدر جمعة ، فيقول الله تعالى : ارفع رأسك ، وقل يسمع ، واشفع تشفع . قال : فيرفع رأسه ، فإذا نظر إلى ربه ، عز وجل ، خر ساجدا قدر جمعة أخرى ، فيقول الله : ارفع رأسك ، وقل يسمع ، واشفع تشفع . قال : فيذهب ليقع ساجدا ، فيأخذ جبريل بضبعيه ، ويفتح عليه من الدعاء بشيء لم يفتحه على بشر قط ، فيقول : أي رب ، خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر ، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر ، حتى إنه ليرد علي الحوض أكثر مما بين صنعاء وأيلة . ثم يقال : ادعوا [ ص: 220 ] الأنبياء . قال فيجيء النبي ومعه العصابة ، والنبي ومعه الخمسة والستة ، والنبي وليس معه أحد ، ثم يقال : ادعوا الصديقين . فيشفعون . ثم يقال : ادعوا الشهداء ، فيشفعون لمن أرادوا . قال : فإذا فعلت الشهداء ذلك يقول الله تعالى : أنا أرحم الراحمين ، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا . قال : فيدخلون الجنة . ثم يقول الله عز وجل : انظروا في النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط ؟ قال : فيجدون في النار رجلا ، فيقال له : هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا ، غير أني كنت أسامح الناس في البيع . فيقول الله عز وجل : أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي . ثم يخرجون من النار رجلا ، فيقال له : هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا ، غير أني قد أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار ، ثم اطحنوني ، حتى إذا كنت مثل الكحل ، فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح ، فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا . فقال الله له : لم فعلت ذلك ؟ قال : من مخافتك . قال : فيقول الله ، عز وجل : انظر إلى ملك أعظم ملك ، فإن لك مثله وعشرة أمثاله . قال : فيقول : لم تسخر بي ، وأنت الملك ؟ " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فذاك الذي ضحكت منه من الضحى " . وقد تكلمنا على هذا الحديث في آخر مسند الصديق رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية