الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أوصى لرجل بما في بطن أمته وهي حامل فصالحه الورثة على دراهم معلومة جاز بطريق إسقاط الحق المستحق له بعوض ، ولو باعه منهم أو من غيرهم لم يجز ; لأن البيع تمليك مال متقوم بمال وما في البطن ليس بمال متقوم ، وهو غير مقدور التسليم ، فلا يجوز تمليكه بالبيع من أحد ، ولو صالحه أحد الورثة على أن يكون له خاصة لم يجز لتصريحهما بتمليكه ما في البطن بعوض ، ولو صالحه الورثة منه على ما في بطن جارية أخرى لم يجز ; لأن ما يقع عليه الصلح في حكم الصلح المبيع ، ولو صالحوه على دراهم مسماة ، ثم ولدت [ ص: 6 ] الجارية غلاما ميتا فالصلح باطل ; لأنه تبين أنه لم يكن له حقا مستحقا يحتمل الإسقاط بعوض ، وإنما كنا نصحح الصلح بطريق إسقاط الحق المستحق بعوض ، ولو ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا كان أرش ذلك لهم والصلح جائز ; لأن الحق كان للموصى له .

( ألا ترى ) أنه قبل الصلح كان الأرش يسلم له بطريق الوصية فصح إسقاط الحق بعوض بخلاف ما إذا ولدته ميتا ، فإنه يتبين بطلان الوصية فيه ، ولو مضت السنتان قبل أن تلد شيئا كان الصلح باطلا ; لأنه قد تبين بطلان الوصية فالجنين لا يبقى في البطن أكثر من سنتين والوصية كانت بالموجود في البطن فالوصية بما تحمل هذه الأمة لا تكون صحيحة ، وكذلك الوصية بما في بطون الغنم وضروعها في جميع ما ذكرنا ، ولو أوصى لرجل بما في بطن أمته فصالحه رجل من غير الورثة على أن يكون ذلك له خاصة على دراهم مسماة لم يجز كما لا يجوز صلح أحد الورثة على ذلك ; لأنه تمليك لما في البطن بعوض ، فإن قبض الرجل الأمة ، ثم أعتق ما في بطنها لم يجز ; لأن ما في البطن ليس بمال متقوم ومثله لا يملك بالبيع وإن قبض ، مع أن قبض الأمة ليس بقبض لما في البطن .

( ألا ترى ) أن الوارث إذا أعار الجارية أو أجرها من إنسان لا يحتاج في التسليم إلى رضا الموصى له بما في البطن ، وإن الغاصب للأمة الحامل لا يصير ضامنا لما في بطنها فدل أن بقبض الأمة لا يصير قابضا لما في بطنها وبدون القبض لا ينفذ التصرف في البيع الفاسد ، ولو أعتق الورثة ما في بطنها لم يجز ; لأنهم لم يملكوا ما في البطن لكونه مشغولا بحاجة الميت وحق الموصى له ، ولو أعتقوا الأمة جاز ; لأنهم يملكون رقبتها ، فإن صالحهم بعد عتق الأمة مما في بطنها على دراهم جاز ; لأن تصحيح هذا الصلح بطريق إسقاط الحق ، ولو لم يبطل حقه بإعتاقهم الأمة حتى إذا ولدت ولدا حيا كانت الورثة هنا ملزمين له بقيمة الولد فإسقاطه الحق بعوض بطريق الصلح معهم جائز ، ولا يتمكن فيه معنى الربا سواء وقع الصلح على أقل من قيمته أو أكثر من قيمته ; لأنه إسقاط لا تمليك ، وفي الإسقاطات لا يجري الربا ، وإن ولدته ميتا بطل الصلح ; لأنه تبين بطلان الوصية حين انفصل ميتا ، وأنه لم يكن له قبلهم حق مستحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية