الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أوصى لرجل بنصف ماله ، وأجاز الابنان الوصية له ، ولم يجز كل واحد منهما ما أجاز صاحبه فإجازة الابن الذي عليه الدين باطلة في المال . أما قوله : ولم يجز كل واحد منهما ما أجاز صاحبه فإنما تظهر فائدة هذا في المسألة الثانية ، وأما قوله إن إجازة الابن المديون باطلة فلأن المديون لا يسلم له شيء من العين . وأما من الإجازة في سلامة شيء من المال منها للموصى له فإنما تعمل إجازة من يكون متمكنا من استيفاء شيء من العين دون من لا يكون متمكنا .

( ألا ترى ) أن الابن الذي أجاز وصية أبيه لو لم يكن وارثا بأن كان قاتلا كانت إجازته باطلة فهذا مثله . ثم يأخذ الموصى له نصف العين ، وذلك خمسون درهما بلا منة لأحد ، ويكون للابن الذي لا دين عليه النصف الباقي ، وقد أجاز للموصى له وصيته فيعطيه من هذا النصف اثني عشر ونصفا فيؤمر بدفع ذلك القدر إلى الموصى له ، وعلى الطريق الآخر يجعل كأن المال عين فيكون للموصى له الثلث ستة وستون وثلثان بلا منة الإجازة يبقى من حقه ثلاثة وثلاثون وثلث نصف ذلك في حصة كل واحد من الاثنين ، وذلك ستة عشر وثلثان فيعطي له من العين الثلث ، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث ، يبقى ستة وستون وثلثان بين الاثنين نصفين ثم لا يعطي المديون نفسه بل يقسمه الآخران على مقدار حقهما قبله ، وحقهما قبله سواء فيأخذ الموصى له ستة عشر وثلثين فيحصل له خمسون درهما ثم إن الموصى له يأخذ من الابن الذي لا دين عليه مثل ربع نصيبه الأصلي ، وذلك ثمانية وثلث فيصير له ثمانية وخمسون وثلث . ويأخذ أيضا مثل ربع ما أخذه في المرة الثانية ، وهو في أربعة دراهم وسدس فيكون ذلك اثنين وستين ونصفا .

وإنما يأخذ مثل أربعة لما بينا أنه إنما أجاز له الوصية فيما زاد على الثلث إلى تمام النصف ، وما زاد على الثلث إلى تمام النصف يكون ربع الثلثين فعرفنا أن كل واحد منهما إنما أجاز له الوصية في ربع ما يسلم له إلى أن يتيسر خروج الدين فحينئذ الابن المديون يمسك ميراثه ، وذلك ستة وستون وثلثان ، ويؤدي ثلاثة وثلاثين ونصفا فيقسم بين الآخرين لكل واحد منهما ستة عشر وثلثان ثم يستوفي الموصى له من الابن الذي لا دين عليه ربع ما أخذ باعتبار إجازته ، وذلك أربعة وسدس فيسلم له ستة وستون وثلثان ، ويأخذ من الابن الذي عليه الدين ما أجاز الوصية فيه [ ص: 163 ] لأنه لما تعين الدين عملت إجازته ، وذلك ستة عشر وثلثان فيصير له ثلاثة وثلاثون وثلث ، وقد كان السالم له بلا منة خمسون ، وظهر الآن أن ثلث المال ستة وستون وثلثان فيأخذ من كل واحد منهما أيضا ثمانية وثلثا حتى يسلم له كمال مائة درهم ، ويبقى لكل واحد منهما خمسون درهما فإن قال الابن الذي لا دين عليه : قد أجزت له جميع وصيته ، وجميع ما أجاز له أخي من ذلك كله أخذ الموصى له من المائة العين ثلثها لأن إجازة المديون في العين إنما تصح بحق الابن الذي لا دين عليه ، وقد أجاز هو إجازته فكما أن وصية الموصي تنفذ بإجازته في حقه ، وإذا نفذت إجازتهما قلنا : المائة العين تقسم بين الابن والموصى له على مقدار حقهما ، وحق الموصى له مائة في درهم ، وحق كل ابن في خمسين فتقسم المائة العين بينهما أثلاثا ثلثاها للموصى له ، وذلك ستة وستون وثلثان وثلثها للابن ، وقد تعين من الدين مثل ذلك فظهر أن المتعين من المال مائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، وإنما نفذنا الوصية في نصفها فإذا تيسر خروج الدين أمسك المديون حصته ، وذلك خمسون درهما ، وأدى خمسين فاقتسمها الابن والموصى له أثلاثا للموصى له ثلثاها ، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فيصل إليه كمال حقه مائة درهم ، ويسلم لكل ابن خمسون درهما .

ولو كان أوصى له بنصف العين ، ونصف الدين فأجاز الوارثان ذلك فإجازة الذي عليه الدين باطلة ، ويأخذ الموصى له ثلثي المال العين لأنه قد تعين من الدين نصفه باعتبار نصيب الابن المديون ، وقد بينا أن الموصى له بالمال العين حقه مقدم على حق الوارث ، وقد أجاز الابن الذي لا دين عليه وصيته ، وإجازته صحيحة في حقه فيضرب الموصى له بنصف العين ونصف الدين ، وذلك مائة درهم والابن إنما يضرب فلهذا كانت العين بينهما أثلاثا للموصى له ثلثاها ، وللابن ثلثها . فإن قيل : فإذا سلم للابن ثلثها ، وظهر أن المتعين من الدين ثلثها قلنا السالم للابن ثلث العين في الصورة ، وفي الحكم نصف العين لأن الموصى له إنما استحق تلك الزيادة عليه باعتبار إجازته فيكون كالسالم له في حكم ، وبهذا يتبين أن المتعين من الدين في الحكم خمسون درهما .

ولو أجاز له الابن الذي لا دين عليه وصيته ، وأجاز أيضا ما أجاز له أخوه أخذ الموصى له من المال المعين خمسة وسبعين درهما والابن الذي لا دين عليه خمسة وعشرين درهما لأنه إنما يستحق بإجازة كل واحد منهما ستة عشر درهما وثلثي درهم نصف ذلك في الدين ونصفه في العين ، وقد بينا أن إجازة الابن المديون في العين غير صحيح بحق الذي لا دين عليه ، ولو لم يجز الابن الآخر إجازته لكان الموصى له يأخذ ستة وستين وثلثين فإذا أجاز إجازته أخذ مع ذلك ثمانية [ ص: 164 ] وثلثا حصته من الإجازة في المائة العين فتكون خمسة وسبعين درهما .

وعلى الطريق الآخر تقسم المائة العين أثلاثا ثم الموصى له يأخذ من الابن الذي لا دين عليه حصة إجازته في المائة العين ، وذلك ثمانية وثلث ، ويقسم نصيب الابن المديون ، وهو ثلث المائة بينهما نصفين فيسلم له أيضا ستة عشر وثلثان فيكون ذلك ثمانية وخمسين وثلثا . والنصف الذي أخذه الابن الذي لا دين عليه يأخذه أيضا بالإجازة لأن ذلك قد تعين من الدين ، وإنما يسلم له عوضا عن حصته من الدين ، وقد أجاز وصيته فيه فيكون حق الموصى له فيه مقدما على حقه فإذا ضم ذلك إلى ما أخذه كان له خمس وسبعون فإذا ثبت خروج ما بقي من الدين أمسك المديون من ذلك خمسين ، ودفع من ذلك إليهما خمسين فيكون بينهما نصفين لأن حصة الإجازة في الدين قد وصلت إليه فبقي حقهما فيما بقي من الدين سواء فإذا اقتسما هذه الخمسين نصفين سلم للموصى له مائة درهم كمال حقه ، ولكل ابن خمسون .

ولو كان أوصى له بثلث ماله أجاز أو لم يجز فهو سواء ، ويأخذ الموصى له نصف العين لأن الموصى له يستغني عن إجازة الورثة في استحقاق ثلث المال بالوصية ، وهو شريك الورثة بالثلث فيما يتعين من المال ، وما يتوي منه .

ولو كان أوصى بثلث العين وبثلث الدين لرجل فأجاز أخذ من العين مائة وخمسين وثلثا .

قال رضي الله عنه : واعلم بأن إجازتهما هاهنا في الابتداء معتبرة ، وفي الانتهاء غير معتبرة ثم نصف العين ، وهو خمسون سالم للموصى له بلا منة الإجازة يبقى إلى تمام حقه ستة عشر وثلثان فإنه قد تعين من الدين مقدار حقه والزيادة فيه ، وحقه مقدم ، وما يسلم له بالإجازة يكون من جهة الابنين نصفين إلا أن إجازة الابن المديون غير معتبرة في العين ، وإجازة الابن الآخر معتبرة فيأخذ حصته ثمانية وثلثا فلهذا كان له ثمانية وخمسون وثلث فإن أجاز الابن الآخر ما أجاز له الابن المديون أيضا أخذ الموصى له من المائة العين ستة وستين وثلثين لأن حصة المديون إنما كانت لا تسلم للموصى له بالإجازة لدفع الضرر عن الابن الآخر فإذا رضي به الابن الآخر أخذ كمال حقه فقد تعين من الدين مقدار حقه ، وقد صحت الإجازة منهما جميعا ، وحقه فيما تعين يقدم على حق الورثة قال رضي الله عنه طعن عيسى في هذا الفصل وقال إنه أعطى الموصى له جميع وصيته قبل خروج ما بقي من الدين ، ولم يفعل مثل هذا فيما تقدم لا في الوصية بثلث المال ، ولا في الوصية بثلث العين والدين ، ومن حيث المعنى لا فرق بين هذا وبين ما سبق ، ولكنا نقول إنما فعل ذلك استحسانا لإظهار تأثير الإجازة فإن إجازتهما بعد خروج الدين [ ص: 165 ] لغو فلو لم يحصل له جميع وصيته قبل خروج ما بقي من الدين صارت منه الإجازة لغوا أصلا وهي معتبرة بخلاف ما سبق فهناك الإجازة مؤثرة بعد خروج ما بقي من الدين لأن الوصية بنصف المال فمن هذا الوجه يقع الفرق بينهما ثم إذا خرج ما بقي من الدين بطلت الإجازة ، وأمسك الابن المديون ستة وستين وثلثين كمال حقه ، وأعطى ثلاثة وثلاثين إلى أخيه ، وقد سلم للموصى له كمال حقه .

ولو كان أوصى بنصف ماله فأجاز الابن الذي عليه الدين ، ولم يجز الآخر فإجازته باطلة لأن المديون لا يتمكن من أخذ شيء من العين ، ولا تتعين إجازته فيه ، ولأنه مستوف جميع ميراثه ، ولكن الموصى له يأخذ نصف العين فإذا خرج ما بقي من الدين ، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث اقتسماه نصفين حتى يستوفي الذي لا دين عليه ستة وستين وثلثين كمال حقه ثم يرجع الموصى له على الابن المديون بستة عشر وثلثين لأنه لما تعين المال كله علمت إجازته في حصته ، وذلك ستة عشر درهما وثلثا درهم فيأخذ ذلك منه ، ويبقى للابن المديون خمسون درهما لأنه في حقه يجعل كأنهما أجازا ، وقد سلم الابن الآخر ستة وستين وثلثين لأنه في حقه يجعل كأنهما لم يجيزا .

التالي السابق


الخدمات العلمية