الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا ترك الرجل ابنين ، وله على أحدهما ألف درهم ، وترك دارا تساوي ألف درهم فأوصى لرجل بماله فللموصى له ثلث الدار ، وللابن الذي لا دين عليه ثلث الدار في يد الوارث والموصى له حتى يرفع إلى القاضي الأمر بخلاف ما سبق فإن هناك المال العين من جنس الدين فنصيب المديون منه يأخذه الموصى له والابن الآخر قضاء بما لهما عليه لأن صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه يكون له أن يأخذه ، وها هنا نصيبه من الدار ليس من جنس ما عليه من الدين فلا يبقى ، وصاحب الدين يأخذه لما في أخذه من معنى البيع ، وذلك لا يتم لصاحب الدين وحده ، ولكنه يوقف في أيديهما لما له من الدين عليه بمنزلة المرهون في يد المرتهن ، والمبيع في يد البائع محبوس بالقبض والابن محبوس بالجعل ، وهذا لأنه لو سلم ذلك إلى الابن المديون ازداد نصيبه على نصيب الابن الآخر من التركة ، وذلك لا يجوز ثم يرفع الأمر إلى القاضي فيقول القاضي للابن المديون أد ثلثي الألف التي لهما عليك ، وإلا بعنا ثلث الدار الذي صار لك ، وأوفينا هؤلاء حقوقهم ; لأن القاضي نصب للنظر ودفع الضرر عن الجانيين ، وذلك فيما قلنا فإن أدى إليهما ثلثي الألف أخذ ثلث الدار ; لأنه وصل إليهما كمال حقهما ، ويصل إليه كمال حقه أيضا . وإن لم يفعل باعه القاضي فأخذا ثمنه نصفين .

قيل : هذا قولهما فأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يبيع القاضي نصيبه من الدار لأن لهما عليه دينا ، ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله [ ص: 166 ] أن القاضي لا يبيع على المديون ماله ، وقيل : بل هو قولهم جميعا لأن نصيبه من الدار تركة الميت ، وللقاضي في التركة ولاية البيع لمكان الدين فيبيع نصيبه ، ويدفع الثمن إليهما نصفين لأن حقهما فيما عليه سواء ثم يرجعان عليه بما بقي لهم ، وكذلك كل مال تركه الميت سوى الدراهم فهو والدار سواء لأن نصيب الابن المديون من هذا المال ليس من جنس ما عليه . وكذلك

المال لو كان دنانير إلا على قول ابن أبي ليلى فإنه يقول يأخذون ذلك قضاء مما لهما عليه ، وهذا مذهبه أيضا في صاحب الدين إذا ظفر بشيء من مال المديون يأخذ النقدين ودينه من النقد الآخر ، وهو اختيار بعض مشايخنا أيضا لأن الدراهم والدنانير في كثير من الأحكام كجنس واحد . وأما في ظاهر الرواية فأخذ الدنانير مكان الدراهم يكون مبادلة فلا ينفرد به صاحب الدين ، وكذلك إن كانت الدراهم التي عليه مبهرجة ، وما تركه الميت أجود منها لأنهما لو استوفيا نصيبه مكان ما عليه باعتبار الوزن كان فيه إبطال حق المديون في الجودة . ولو استوفيا باعتبار القيمة التي في الدار فإن كان ما عليه أجود مما خلفه الميت من الدراهم فرضيا بأخذ نصيب المديون قصاصا فلهما ذلك لأنهما تجوزا بدون حقهما ، وأسقطا حقهما في الجودة . وإن لم يرضيا بذلك كانت كجنس آخر من الدنانير وغيرها لأنهما لا يتمكنان من استيفاء ذلك باعتبار القيمة لما فيه من معنى الربا ، وقد انعدم الرضا منهما باستيفاء ذلك قضاء من حقهما باعتبار الوزن فيكون في معنى خلاف جنس الدين فيرفع إلى القاضي حتى يبيعه لهم فيوفيهم حقهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية