الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 373 ] " أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس وهو الأصم ، حدثنا أحمد بن [ ص: 582 ] عبد الجبار ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكر هذه الرواية الآخرة .

قال البيهقي رحمه الله : " ويشبه أن يكون هذا الحديث تفسيرا لحديث الفداء ، والكافر إذا أورث على المؤمن مقعده من الجنة ، والمؤمن إذا أورث على الكافر مقعده من النار يصير في التقدير كأنه فدي المؤمن بالكافر ، والله أعلم .

وقد علل البخاري رحمه الله حديث الفداء برواية بريد بن عبد الله وغيره ، عن أبي بردة ، عن رجل من الأنصار ، عن أبيه .

وبرواية أبي حصين عنه ، عن عبد الله بن يزيد .

وبرواية حميد عنه ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

ثم قال الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة ، وأن قوما يعذبون ثم يخرجون من النار أكثر وأبين . [ ص: 583 ]

وحديث أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عند مسلم بن الحجاج وغيره رحمهم الله من الأوجه التي أشرنا إليها وغيرها ووجهه ما ذكرناه ، وذلك لا ينافي حديث الشفاعة ، فإن حديث الفداء وإن ورد مورد العموم في كل مؤمن فيحتمل أن يكون المراد به كل مؤمن قد صارت ذنوبه مكفرة بما أصابه من البلايا في حياته ففي بعض ألفاظه ، إن أمتي أمة مرحومة جعل الله عذابها بأيديها ، فإذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل رجل من المسلمين رجلا من أهل الأديان فكان فداؤه من النار .

وحديث الشفاعة يكون فيمن لم تصر ذنوبه مكفرة في حياته ، ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة والله أعلم .

وأما حديث : شداد أبي طلحة الراسبي ، عن غيلان بن جرير ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب مثل الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى " . فيما أحسب أنا قاله بعض رواته . [ ص: 584 ]

فهذا حديث شك فيه راويه ، وشداد أبو طلحة ممن تكلم أهل العلم بالحديث فيه ، وإن كان مسلم بن الحجاج استشهد به في كتابه فليس هو ممن يقبل منه ما يخالف فيه كيف ، والذين خالفوه في لفظ الحديث عدد وهو واحد ، وكل واحد ممن خالفه أحفظ منه فلا معنى للاشتغال بتأويل ما رواه مع خلاف ظاهر ما رواه الأصول الصحيحة الممهدة في : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ) ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية