الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              302 (باب منه)

                                                                                                                              وقال النووي في الجزء الأول: ( باب بيان أن من مات على الكفر، فهو في النار، لا تناله شفاعة، ولا تنفعه قرابة المقربين).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي، ص79 جـ 3، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس رضي الله عنه؛ أن رجلا قال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: "في النار". قال: فلما قفى الرجل) أي: ولى قفاه، منصرفا. (دعاه، فقال: "إن أبي وأباك في النار").

                                                                                                                              قال النووي: فيه أن من مات على الكفر؛ فهو في النار، ولا تنفعه

                                                                                                                              [ ص: 159 ] قرابة المقربين.


                                                                                                                              وفيه: أن من مات في الفترة، على ما كانت عليه العرب، من عبادة الأوثان: فهو من أهل النار. وليس هذا مؤاخذة قبل الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم، وغيره من الأنبياء، عليهم السلام.

                                                                                                                              وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أبي وأباك في النار"، هو من حسن العشرة، للتسلية بالاشتراك في المصيبة. انتهى.

                                                                                                                              وهذا يدلك على أن النووي، في هذه المسألة: ذاهب إلى ظاهر الحديث، وهو الحق.

                                                                                                                              وأما ما جاء في بعض الأخبار، في غير الصحيحين: أن الله أحيا أباه وأمه، صلى الله عليه وآله وسلم، فآمنا به، فغفر لهما، أو نحو ذلك، فلم يثبت على وجه، ينتهض للاحتجاج به على إيمانهما. بل كلها ضعيفة، بل مختلقة مفتعلة. وقد قال الإمام الأعظم، في كتاب الفقه الأكبر، الذي ينسب إليه: ما نصه: "ووالدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماتا على الكفر". انتهى.

                                                                                                                              ثم إن موتهما على الكفر، لا يقدح في عظيم مرتبة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، كما زعم بعضهم. فقد نص الله سبحانه في كتابه العزيز، على كفر والد إبراهيم عليه السلام. ونهاه عن الاستغفار له. وهو أبو نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وأكرم الرسل على الله، وخليله من بينهم. وليس من قدرة الله سبحانه وتعالى ببديع: أن يخرج [ ص: 160 ] الحي من الميت، والميت من الحي. وقد قال تعالى في ابن نوح، عليه السلام: إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح . وقد فازت امرأة فرعون، وهلكت امرأة لوط عليه السلام. فثبت: أن هذا الصنيع من سنة الله تعالى، وعادته في عباده، وليس فيها عار على أحد منهم، ولا شنار. وقد غلا الناس في هذا الزمان الحاضر، بل في يسير قبله في هذا الباب. وتمسكوا بالأشياء، التي لا تقوم بها الحجة على ذلك. ولفقوا الأهواء، التي هي بمعزل عن المقام. وجاءوا بكلام، لا طائل تحته عند الأعلام. فلا يغرنك سقطاتهم، ولا يصرفك عن قبول حديث مسلم هذا: هفواتهم. وبالله التوفيق.




                                                                                                                              الخدمات العلمية