الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4549 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي، في (الباب المتقدم).

                                                                                                                              [ ص: 613 ]

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 53، 54 ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه: أن عائشة، قالت: ألا يعجبك أبو هريرة! جاء فجلس إلى جنب حجرتي، يحدث عن النبي، صلى الله عليه وسلم: يسمعني ذلك، وكنت أسبح. فقام قبل أن أقضي سبحتي. ولو أدركته لرددت عليه: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يكن يسرد الحديث كسردكم. قال ابن شهاب: وقال ابن المسيب: إن أبا هريرة قال: يقولون: إن أبا هريرة قد أكثر -والله الموعد- ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك: إن إخواني من الأنصار، كان يشغلهم عمل أرضيهم. وإن إخواني من المهاجرين، كان يشغلهم الصفق بالأسواق. وكنت ألزم رسول الله، صلى الله عليه وسلم على ملء بطني؛ فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا.

                                                                                                                              ولقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوما: أيكم يبسط ثوبه، فيأخذ من حديثي هذا، ثم يجمعه إلى صدره؟ فإنه لم ينس شيئا سمعه".

                                                                                                                              فبسطت بردة علي، حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به. ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى آخر الآيتين).


                                                                                                                              [ ص: 614 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 614 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها؛ قالت: ألا يعجبك أبو هريرة! جاء فجلس إلى جانب حجرتي، يحدث عن النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: يسمعني ذلك، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي. ولو أدركته، لرددت عليه: إن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم ، لم يكن يسرد الحديث كسردكم. قال ابن شهاب: وقال ابن المسيب: إن أبا هريرة قال: يقولون: إن أبا هريرة قد أكثر. والله الموعد).

                                                                                                                              معناه: يحاسبني إن تعمدت كذبا، ويحاسب من ظن بي السوء.

                                                                                                                              (ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك: إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضيهم، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق) بفتح الياء من: "يشغلهم" وحكي ضمها. وهو غريب.

                                                                                                                              "والصفق": كناية عن "التبايع" وكانوا يصفقون بالأيدي من المتبايعين: بعضها على بعض.

                                                                                                                              "والسوق": مؤنثة ويذكر، سميت به لقيام الناس فيها على سوقهم.

                                                                                                                              [ ص: 615 ]

                                                                                                                              (وكنت ألزم رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: على ملء بطني) أي: ألازمه، وأقنع بقوتي، ولا أجمع مالا لذخيرة ولا غيرها، ولا أزيد على قوتي.

                                                                                                                              والمراد: من حيث حصل القوت من الوجوه المباحة. وليس هو من الخدمة بالأجرة.

                                                                                                                              (فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم يوما: "أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي هذا، ثم يجمعه إلى صدره؟ فإنه لم ينس شيئا سمعه" فبسطت بردة علي، حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به. ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه "عز وجل" ما حدثت شيئا أبدا: إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى إلى آخر الآيتين).

                                                                                                                              في هذا الحديث: معجزة ظاهرة لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في بسط ثوب أبي هريرة.

                                                                                                                              وفيه: فضيلة باهرة لأبي هريرة في حفظ الأحاديث الكثيرة، المسموعة منه صلى الله عليه وآله وسلم، وعدم نسيانها. وكثرة لزومه لخدمته، صلى الله عليه وآله وسلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية