الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                55 - الوكيل إذا وكل بغير إذن وتعميم 56 - وأجاز ما فعله وكيله [ ص: 24 ] نفذ 58 - إلا الطلاق والعتاق

                التوكيل بالتوكيل صحيح ; فإذا وكله أن يوكل فلانا في شراء كذا ففعل واشترى الوكيل يرجع بالثمن على المأمور وهو على آمره ولا يرجع الوكيل على الآمر [ ص: 25 ] كما في فروق الكرابيسي .

                الوكيل إذا كانت وكالته عامة مطلقة ملك كل شيء إلا طلاق الزوجة وعتق العبد ووقف البيت . 60 - وقد كتبت فيها رسالة .

                التالي السابق


                ( 55 ) قوله :

                الوكيل إذا وكل بغير إذن .

                وتعميم الواو بمعنى أو كما هو ظاهر .

                ( 56 ) قوله : وأجاز ما فعله وكيله .

                أقول : وكذا لو عقد أجنبي فأجاز الأول لأن مقصود الموكل حضور رأيه وقد حصل .

                وحقوق العقد تتعلق بالوكيل الأول ، والثاني فيه خلاف المتأخرين .

                والصحيح أنها تتعلق بالثاني كما في الزيلعي وكذا في الخانية والعيون .

                وظاهر إطلاق المصنف رحمه الله تعالى أنه أعم من أن يكون الأول حاضرا أو لا والمحفوظ أنه إن حضر فعل الثاني صح وإلا فلا .

                قيل يشكل بما إذا باشر أحد الوكيلين بحضرة الآخر حيث لا يكتفي بحضرته ولا بد من إجازته وهنا [ ص: 24 ] اكتفى بالحضرة من غير إجازته وأجيب بأن المراد من الحضرة هو الإجازة من الوكيل لا مطلق حضرته من غير إجازة .

                ذكره في الذخيرة وحينئذ فلا فرق .

                وقد ذكر محمد رحمه الله تعالى المسألة في الجامع ، والأصل في موضع ولم يشترط إجازة الأول وذكرها في موضع آخر وشرط إجازته فذهب الكرخي وعامة المشايخ إلى أن المطلق محمول على المقيد لأن توكيل الوكيل لما لم يصح لأنه لم يؤذن له في ذلك صار وجوده وعدمه سواء ولو عدم من الأول حتى باع هذا الرجل والوكيل غائب أو حاضر فإنه لا يجوز عقد هذا الفضولي إلا بإجازته لأن الإجازة لبيع الفضولي لا تثبت بالسكوت لكون السكوت محتملا .

                كذا هنا ومنهم من قال في المسألة روايتان : وجه عدم الجواز قد اندرج فيما ذكر ووجه الجواز أنه إذا حضر عند الثاني ولم يمنعه وجد رأيه فيه وكان ذلك مقصود الموكل فيجوز .

                كذا في حواشي العلامة قاسم ( 57 ) قوله :

                نفذ .

                أقول هذا إذا لم يبين الثمن كما في شرح المجمع لابن الملك فإن كان بينه جاز بلا إجازته ( انتهى ) .

                يعني لو قدر الوكيل للثاني ثمنا بأن قال بعه بكذا فباعه الثاني بغيبته جاز بلا إجازة الأول وهذه رواية كتاب الرهن ; ووجهها أن مقصود الموكل أن يكون البيع برأي الوكيل الأول وإذا قدر ثمنا فهو بيع برأيه وهذا بخلاف ما لو وكل وكيلين وقدر الثمن فباع أحدهما بذلك الثمن حيث لم يجز لأن المقصود هنا اجتماع رأيهما في الزيادة واختيار المشتري وعلى رواية كتاب الوكالة لا يجوز لأن الأول لو كان هو الذي باشر ربما يبيع بالزيادة على ذلك المقدار لذكائه وهدايته . ( 58 ) قوله :

                إلا الطلاق والعتاق إلخ .

                أقول : يزاد على ذلك الوكيل بالخصومة والوكيل بقضاء الدين فإنهما لو وكلا ففعل الثاني بحضرة الأول لا يجوز كما في [ ص: 25 ] شرح المجمع لابن الملك

                وفي الولوالجية : ولو وكل رجلا في خصومة أو تقاضي دين أو بيع أو شراء أو طلاق أو نكاح أو نحوه فوكل الوكيل غيره لم يجز إلا أن يفعل بحضرة الوكيل الأول فإن وكل وفعل الثاني بحضرة الأول ، فإن كان بيعا أو شراء يجوز وما عدا البيع والشراء من الخصومة والتقاضي والنكاح والطلاق وغير ذلك هل يجوز ؟ ذكر عصام في مختصره أنه يجوز وذكر محمد رحمه الله تعالى في الأصل أنه لا يجوز ; فإنه قال إذا فعل الثاني بحضرة الأول لم يجز إلا في البيع والشراء وهو الصحيح والفرق هو أن الوكيل بالطلاق وما شاكله رسول لأنه لا عهدة عليه ، وللرسول نقل عبارة المرسل فإذا أمر غيره فإنما أمره بنقل ملك الغير فلا يصح الأمر وإذا لم يصح صار وجوده وعدمه بمنزلة واحدة فأما الوكيل في باب البيع أمر الثاني بما يملكه لأنه أمره بالبيع وهو مالك للبيع بنفسه فإن العبارة في البيع له حتى كان حقوق العقد له وكان ينبغي أن يصح البيع الثاني في حال غيبة الأول إلا أنه لم يصح لأنه لم يحضر هذا البيع رأيه والموكل إنما رضي بزوال ملكه إذا حضر رأي الأول . ( 59 ) قوله :

                كما في فروق الكرابيسي .

                أقول : الصواب كما في فروق المحبوبي وعبارته : أمر رجل رجلا بأن يوكل له إنسانا بشراء شيء ففعل المأمور واشترى الوكيل فإن الوكيل يرجع بالثمن على موكله وهو المأمور ثم المأمور على الآمر ولا يرجع الوكيل على الآمر ابتداء ( انتهى ) .

                ومنه يظهر ما في عبارة المصنف رحمه الله تعالى من الخلل . ( 60 ) قوله

                وقد كتبت فيها رسالة .

                حاصل تلك الرسالة أنه لو قال : أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك يصير وكيلا في جميع التصرفات المالية كالبيع والشراء والهبة والصدقة ، واختلفوا في الإعتاق والطلاق والوقف ، قال بعضهم يملك ذلك لإطلاق لفظ التعميم وقال بعضهم لا يملك ذلك إلا إذا دل دليل سابق الكلام وبه أخذ [ ص: 26 ] الفقيه أبو الليث وذكر الناطفي إذا قال أنت وكيلي في كل شيء جائز صنعك .

                روي عن محمد أنه وكيل في المعوضات والإجارات والهبات والإعتاق وعليه الفتوى

                ثم قال وفي البزازية أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك ، يملك الحفظ والبيع والشراء ويملك الهبة والصدقة حتى إذا أنفق على نفسه من ذلك المال جاز حتى يعلم خلافه من قصد الموكل .

                وعن الإمام تخصيصه بالمعاوضات ولا يلي العتق والتبرع وعليه الفتوى

                وكذا لو قال طلقت امرأتك أو وقفت أرضك الأصح أنه لا يجوز

                وفي الذخيرة أنه توكيل بالمعاوضات لا بالإعتاق والهبات وبه يفتى ( انتهى ) .

                وفي الخلاصة كما في البزازية والحاصل أن الوكيل وكالة عامة يملك كل شيء إلا الطلاق والعتاق والوقف والهبة والصدقة على المفتى به وينبغي أن لا يملك الوكيل وكالة عامة الإبراء والحط عن المديون لأنهما من قبيل التبرع فدخل تحت قول البزازي لأنه لا يملك التبرع .

                وهل له الإقراض والهبة بشرط العوض فإن القرض عارية ابتداء معاوضة انتهاء .

                وينبغي أن لا يملكها الوكيل بالوكيل العام لأنه لا يملكها إلا من يملك التبرعات ولذا لا يجوز إقراض الوصي مال اليتيم ولا هبته بشرط العوض وإن كان معاوضة في الانتهاء وظاهر العموم أنه يملك قبض الدين واقتضاءه وإيفاءه والدعوى بحقوق الموكل وسماع الدعوى بحق على الموكل والأقارير على الموكل بالديون ولا يختص بمجلس القاضي لأن ذلك في الوكيل بالخصومة لا في العام




                الخدمات العلمية