الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                50 - ولا يضمن الصبي بالغصب فلو غصب صبيا فمات عنده لم يضمنه إلا إذا نقله إلى أرض مسبعة أو مكان الوباء أو الحمى ، وقد سئلت عمن أخذ ابن إنسان صغير وأخرجه من البلد هل يلزمه إحضاره إلى أبيه ؟ فأجبت بما في الخانية : رجل غصب صبيا حرا فغاب الصبي عن يده فإن الغاصب يحبس حتى يجيء بالصبي أو يعلم أنه مات ( انتهى ) . [ ص: 326 ]

                51 - ولو خدعه حتى أخذه برضاه لم يضمن كما في الخانية ، لأنه ما غصبه ، لأنه الأخذ قهرا ، وفي الملتقط من النكاح : وعن محمد رحمه الله تعالى فيمن خدع بنت رجل أو امرأته وأخرجها من منزله . قال أحبسه أبدا حتى يأتي بها أو يعلم موتها ( انتهى ) .

                التالي السابق


                ( 50 ) قوله : ولا يضمن الصبي بالغصب . يعني الصبي الحر . في جامع أحكام الصغار من مشايخنا من قال بأن الغاصب إنما يضمن بالجناية على الصبي لا بسبب الغصب ، ومن مشايخنا من قال بأن الغاصب إنما يضمن عندنا بسبب الغصب لا بالجناية وذهب أن الخلاف في الصبي الذي لا يعبر عن نفسه وهو يشبه العبد من وجه لأنه مما تثبت عليه اليد كالعبد ، ويشبه الحر الكبير من وجه لأنه ليس بمال فقلنا : لشبهة العبد إذا هلك بأمر يمكن التحرز عنه يضمن ، وإذا هلك بأمر لا يمكن التحرز عنه لا يضمن توفيرا للشبهين حظهما ، ومن سلك هذه الطريقة احتاج إلى تخصيص قول محمد في قوله : ومن غصب صبيا فإنه أطلق ولم يفصل بين صبي يعبر عن نفسه أو لا يعبر ، فإنه متى قال هذا القائل بالضمان إذا كان لا يعبر عن نفسه وبعدم الضمان إذا كان يعبر عن نفسه فقد أثبت تخصيصا لم يذكره محمد ; ومن سلك الطريقة الأولى اختلفوا أنه يضمن بالمباشرة أو بالتسبب قال : بعضهم يضمن المباشرة لأنه باشر بإتلافه حيث نقله إلى ذلك المكان من حيث إن التلف بهذه الأسباب لا يعم الأماكن كلها ، والصبي عاجز عن حفظ نفسه عن [ ص: 326 ] الأسباب المتلفة ، وإنما يحفظ وليه فإذا قطع حفظ وليه عنه أضيف التلف إلى غصبه وفعله من حيث الحكم فصار مباشرا بإتلافه من حيث الحكم وإن لم توجد حقيقة ، والمباشرة حكما كافية لإيجاب الضمان كما في المكره وشهود القصاص ، وإذا اعتبر مباشرا حكما صار كأنه ألقى الحية على الصبي حتى نهشته ، أو ألقى الجدار عليه أو وضعه بين يدي السبع حتى افترسه ، وإذا كان كذلك يضمن فكذا هنا . وهذا القائل لا يحتاج إلى تخصيص قول محمد في الصبي بخلاف ما لو مات بالحمى لأن حدوث الموت بالحمى لا يضاف إلى غصبه .

                ونقله قال الله تعالى : { أينما تكونوا يدرككم الموت } ومنهم من قال بأن الغاصب يضمن بالتسبب لا بالمباشرة لأنه لم توجد منه المباشرة حقيقة ولكن وجد حد التسبب وهو اتصال أثر فعله به يستقيم إضافة التلف إلى فعله كما في حفر البئر اتصل التلف بأثر فعله وهو العمق بواسطة فعل آخر وهو فعل الماشي فاستقامت إضافة التلف إلى أثر فعله فصار سببا والمسبب ضامن حتى لا يجب الضمان على المباشرة ، بخلاف ما لو غصب حرا كبيرا ونقله إلى مكان خاصا به شيء من الصواعق لا يضمن لأنه لم يوجد حد المباشرة والتسبب أما المباشرة فظاهرة ، وأما التسبب فلأن التلف حينئذ لا يضاف إليه لأن الكبير يمكنه حفظ نفسه من الأسباب المتلفة فكان كالماشي إذا علم بالبئر ووقع فيها لا يضمن الحافر بخلاف الصغير فإنه لا يمكنه حفظ نفسه ( انتهى ) . ومنه يعلم ما في عبارة المصنف رحمه الله تعالى من القصور والاقتصار بسبب المحافظة على المبالغة في الاختصار .

                ( 51 ) قوله : ولو خدعه حتى أخرجه برضاه لم يضمن . قيل عليه : لا شك أنه لا عبرة برضاء الصبي لأنه لا يعرف منافعه عن مضاره . وأما القهر الذي يتحقق مع إباء [ ص: 327 ] المغصوب وممانعته فغير لازم كما لا يخفى ، وإلا يلزم عدم تحقق الغصب في الثوب وغيره انتهى . ثم ظاهر قوله هنا لم يضمن أنه في المسألة التي قبل هذه لم يضمن وإلا لم تصح المقابلة




                الخدمات العلمية