[ ص: 518 ] [ ص: 519 ] الباب الثامن
من المقصد الرابع
في المنطوق والمفهوم
وفيه أربع مسائل
المسألة الأولى في حدهما
فالمنطوق : ما دل عليه اللفظ في محل النطق ، أي يكون حكما للمذكور ، وحالا من أحواله .
والمفهوم : ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق ، أي يكون حكما لغير المذكور ، وحالا من أحواله .
والحاصل : أن الألفاظ قوالب للمعاني المستفادة منها ، فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحا ، وتارة من جهته تلويحا ، فالأول : المنطوق ، والثاني المفهوم .
: والمنطوق ينقسم إلى قسمين
الأول : . ما لا يحتمل التأويل وهو النص
والثاني : . ما يحتمله وهو الظاهر
والأول أيضا ينقسم إلى قسمين : صريح إن دل عليه اللفظ بالمطابقة ، أو التضمن وغير صريح إن دل عليه بالالتزام .
وغير الصريح ينقسم إلى دلالة اقتضاء ، وإيماء ، وإشارة ; فدلالة الاقتضاء هي إذا توقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه ، مع كون ذلك مقصودا للمتكلم .
ودلالة الإيماء أن يقترن اللفظ بحكم ، لو لم يكن للتعليل لكان بعيدا وسيأتي بيان هذا في القياس .
ودلالة الإشارة حيث لا يكون مقصودا للمتكلم .
[ ص: 520 ] [ ] أقسام المفهوم
والمفهوم ينقسم إلى مفهوم موافقة ، ومفهوم مخالفة .
: حيث يكون المسكوت عنه موافقا للملفوظ به ، فإن كان أولى بالحكم من المنطوق به فيسمى " فحوى الخطاب " ، وإن كان مساويا له فيسمى " لحن الخطاب " . فمفهوم الموافقة
وحكى الماوردي في الفرق بين " فحوى الخطاب " و " لحن الخطاب " وجهين : والروياني
( أحدهما ) : أن " الفحوى " ما نبه عليه اللفظ ، و " اللحن " ما لاح في أثناء اللفظ .
( وثانيهما ) : أن " الفحوى " ما دل على ما هو أقوى منه ، و " اللحن " ما دل على مثله .
وقال القفال : إن " فحوى الخطاب " ما دل المظهر على المسقط ، و " اللحن " ما يكون محالا على غير المراد ، والأولى ما ذكرناه أولا .
وقد شرط بعضهم في مفهوم الموافقة أن يكون أولى من المذكور ، وقد نقله في إمام الحرمين الجويني البرهان عن ، وهو ظاهر كلام الشيخ الشافعي ونقله أبي إسحاق الشيرازي الهندي عن الأكثرين .
وأما ، الغزالي ، وأتباعهما ، فقد جعلوه قسمين : تارة يكون أولى ، وتارة يكون مساويا ، وهو الصواب ، فجعلوا شرطه أن لا يكون المعنى في المسكوت عنه أقل مناسبة للحكم من المعنى المنطوق به . وفخر الدين الرازي
قال الزركشي : وهو ظاهر كلام الجمهور ، من أصحابنا وغيرهم .
وقد اختلفوا في دلالة النص على مفهوم الموافقة ، هل هي لفظية أو قياسية ؟ على قولين ، حكاهما في الأمر ، وظاهر كلامه ترجيح أنه قياس ، ونقله الشافعي الهندي [ ص: 521 ] في النهاية عن الأكثرين .
قال الصيرفي : ذهبت طائفة جلة سيدهم إلى أن هذا هو القياس الجلي . الشافعي
وقال الشيخ في شرح اللمع إنه الصحيح ، وجرى عليه أبو إسحاق الشيرازي ، فذكره في أنواع القياس . القفال الشاشي
قال : سليم الرازي يومئ إلى أنه قياس جلي ، لا يجوز ورود الشرع بخلافه . قال وذهب المتكلمون بأسرهم : الأشعرية والمعتزلة إلى أنه مستفاد من النطق ، وليس بقياس . الشافعي
قال الشيخ : الصحيح من المذاهب أنه جار مجرى النطق ، لا مجرى ( القياس وسماه الحنفية دلالة النص ، وقال آخرون : ليس بقياس ولا يسمى ) دلالة النص ، لكن دلالته لفظية . أبو حامد الإسفراييني
ثم اختلفوا ، فقيل : إن المنع من التأفيف منقول بالعرف عن موضوعه اللغوي إلى المنع من أنواع الأذى .
وقيل إنه فهم السياق والقرائن ، وعليه المحققون من أهل هذا القول ، ، كالغزالي وابن القشيري ، ، والآمدي وابن الحاجب ، والدلالة عندهم مجازية ، من باب إطلاق الأخص ، وإرادة الأعم .
قال الماوردي : والجمهور على أن دلالته من جهة اللغة لا من القياس .
قال : القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه . القاضي أبو بكر الباقلاني
قال ابن رشد : لا ينبغي للظاهرية أن يخالفوا في مفهوم الموافقة لأنه من باب السمع والذي رد ذلك يرد نوعا من الخطاب .
قال الزركشي : وقد خالف فيه . ابن حزم
قال ابن تيمية وهو مكابرة .