الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 522 ] المسألة الثانية

                        مفهوم المخالفة

                        وهو حيث يكون السكوت عنه مخالفا للمذكور في الحكم ، إثباتا ونفيا ، فيثبت للمسكوت عنه نقيض حكم المنطوق به ، ويسمى دليل الخطاب ; لأن دليله من جنس الخطاب ، أو لأن الخطاب دال عليه .

                        قال القرافي : وهل المخالفة بين المنطوق والمسكوت بضد الحكم المنطوق به ، أو نقيضه الحق الثاني .

                        ومن تأمل المفهومات وجدها كذلك .

                        وجميع مفاهيم المخالفة حجة عند الجمهور ، إلا مفهوم اللقب .

                        وأنكر أبو حنيفة الجميع ، وحكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع عن القفال الشاشي ، وأبي حامد المروزي .

                        وأما الأشعري فقال القاضي : إن النقلة نقلوا عنه القول بالمفهوم ، كما نقلوا عنه نفي صيغ العموم ، وقد أضيف إليه خلاف ذلك وأنه قال بمفهوم الخطاب .

                        وذكر شمس الأئمة السرخسي من الحنفية في كتاب السير : أنه ليس بحجة في خطابات الشرع قال : وأما في مصطلح الناس وعرفهم فهو حجة ، وعكس ذلك بعض المتأخرين من الشافعية فقال : هو حجة في كلام الله ورسوله ، وليس بحجة في كلام المصنفين وغيرهم ، كذا حكاه الزركشي .

                        واختلف المثبتون للمفهوم في مواضع .

                        ( أحدها ) : هل هو حجة من حيث اللغة ، أو الشرع ؟ وفي ذلك وجهان للشافعية ، حكاهما المازري والروياني .

                        قال ابن السمعاني : والصحيح أنه حجة من حيث اللغة .

                        [ ص: 523 ] وقال الفخر الرازي : لا يدل على النفي بحسب اللغة ، لكنه يدل عليه بحسب العرف العام ، وذكر في المحصول في باب العموم : أنه يدل عليه العقل .

                        ( الموضع الثاني ) : اختلفوا أيضا في تحقيق مقتضاه ، أنه هل يدل على نفي الحكم عما عدا المنطوق به مطلقا ، سواء كان من جنس المثبت ، أو لم يكن ، أو تختص دلالته بما إذا كان من جنسه ، فإذا قال : " في الغنم السائمة الزكاة " فهل نفى الزكاة عن المعلوفة مطلقا ، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم ، أو هو مختص بالمعلوفة من الغنم ؟

                        وفي ذلك وجهان ، حكاهما الشيخ أبو حامد الإسفراييني ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وسليم الرازي ، وابن السمعاني ، والفخر الرازي .

                        قال الشيخ أبو حامد : والصحيح تخصيصه بالنفي عن معلوفة الغنم فقط .

                        ( قلت ) : هو الصواب .

                        ( الموضع الثالث ) : هل المفهوم المذكور يرتقي إلى أن يكون دليلا قاطعا ، أو لا يرتقي إلى ذلك ، قال إمام الحرمين الجويني : إنه قد يكون قطعيا ، وقيل : لا .

                        ( الموضع الرابع ) : إذا دل الدليل على إخراج صورة من صور المفهوم ، فهل يسقط المفهوم بالكلية ، أو يتمسك في البقية ، وهذا يتمشى على الخلاف في حجية العموم إذا خص ، وقد تقدم الكلام في ذلك .

                        ( الموضع الخامس ) : هل يجب العمل به قيل البحث عما يوافقه ، أو يخالفه من منطوق أو مفهوم آخر ، فقيل : حكمه حكم العمل بالعام قبل البحث عن المخصص ، [ ص: 524 ] وحكى القفال الشاشي في ذلك وجهين .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية