المسألة السابعة عشرة
في الطريق التي يعرف بها كون الناسخ ناسخا
وذلك أمور :
( الأول ) : أن يقتضي ذلك اللفظ ، بأن يكون فيه ما يدل على ما تقدم أحدهما وتأخر الآخر .
قال الماوردي : المراد بالتقدم التقدم في النزول ، لا في التلاوة ، فإن العدة بأربعة شهور وعشرة سابقة على العدة بالحول في التلاوة ، مع أنها ناسخة لها .
ومن ذلك التصريح في اللفظ بما يدل على النسخ كقوله تعالى : الآن خفف الله عنكم فإنه يقتضي نسخه لثبات الواحد للعشرة ، ومثل قوله : أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات .
( الثاني ) : أن يعرف الناسخ من المنسوخ بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، كأن يقول : هذا ناسخ لهذا ، أو ما في معنى ذلك ، كقوله : نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها .
( الثالث ) : أن يعرف ذلك من فعله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، كرجمه لماعز ، ولم يجلده فإنه يفيد نسخ قوله : الثيب بالثيب جلد مائة ورجمه بالحجارة .
[ ص: 573 ] قال ابن السمعاني وقد قالوا : إن الفعل لا ينسخ القول ، في قول أكثر الأصوليين ، وإنما يستدل بالفعل على تقدم النسخ للقول بقول آخر ، فيكون القول منسوخا بمثله من القول ، والفعل مبين لذلك .
( الرابع ) : إجماع الصحابة على أن هذا ناسخ ، وهذا منسوخ ، كنسخ صوم يوم عاشوراء بصوم شهر رمضان ، ونسخ الحقوق المتعلقة بالمال بالزكاة ، ذكر معنى ذلك ابن السمعاني .
قال الزركشي : وكذا حديث من غل صدقته فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - إنا آخذوها وشطر ماله قال : فإن الصحابة اتفقت على ترك استعمالهم لهذا الحديث ، فدل ذلك على نسخه انتهى .
وقد ذهب الجمهور إلى أن إجماع الصحابة من أدلة بيان الناسخ والمنسوخ .
قال القاضي : يستدل بالإجماع على أن معه خبرا وقع به النسخ; لأن الإجماع لا ينسخ به ، ولم يجعل الصيرفي الإجماع دليلا على تعين النص للنسخ ، بل جعله مترددا بين النسخ والغلط .
( الخامس ) : نقل الصحابي لتقدم أحد الحكمين ، وتأخر الآخر ; إذ لا مدخل للاجتهاد فيه .
قال ابن السمعاني : وهو واضح إذا كان الخبران غير متواترين ، أما إذا قال في المتواتر : إنه كان قبل الآحاد ، ففي ذلك خلاف ، وجزم القاضي في التقريب بأنه لا يقبل ، ونقله الصفي الهندي عن الأكثرين; لأنه يتضمن نسخ المتواتر بالآحاد ، وهو غير جائز ، وقال القاضي عبد الجبار : يقبل ، وشرط ابن السمعاني كون الراوي لهما واحدا .
( السادس ) : كون أحد الحكمين شرعيا ، والآخر موافقا للعادة ، فيكون الشرعي ناسخا .
وخالف في ذلك القاضي أبو بكر ، والغزالي ; لأنه يجوز ورود الشرع بالنقل عن العادة ، ثم يرد نسخه ورده إلى مكانه .
[ ص: 574 ] وأما حداثة الصحابي وتأخر إسلامه; فليس ذلك من دلائل النسخ .
وإذا لم يعلم الناسخ من المنسوخ ، بوجه من الوجوه ، فرجح قوم ، منهم ابن الحاجب الوقف .
وقال الآمدي : إن علم افتراقهما مع تعذر الجمع بينهما فعندي أن ذلك غير متصور الوقوع ، وإن جوزه قوم ، وبتقدير وقوعه ، فالواجب إما الوقف عن العمل بأحدهما ، أو التخيير بينهما ، إن أمكن ، وكذلك الحكم فيما إذا لم يعلم شيء من ذلك .


