الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        واعلم أن العلة ركن من أركان القياس كما تقدم ، فلا يصح بدونها; لأنها الجامعة بين الأصل والفرع .

                        قال ابن فورك : من الناس من اقتصر على الشبه ، ومنع القول بالعلة .

                        [ ص: 605 ] وقال ابن السمعاني : ذهب بعض القياسيين من الحنفية وغيرهم إلى صحة القياس من غير علة إذا لاح بعض الشبه ، والحق ما ذهب إليه الجمهور من أنها معتبرة لا بد منها في كل قياس .

                        وهي في اللغة اسم لما يتغير الشيء بحصوله ، أخذا من العلة التي هي المرض; لأن تأثيرها في الحكم كتأثير العلة في ذات المريض ، يقال : اعتل فلان ، إذا حال عن الصحة إلى السقم .

                        وقيل : إنها مأخوذة من العلل بعد النهل ، وهو معاودة الشرب مرة بعد مرة; لأن المجتهد في استخراجها يعاود النظر مرة بعد مرة .

                        وأما في الاصطلاح فاختلفوا فيها على أقوال :

                        ( الأول ) : أنها المعرفة للحكم ، بأن جعلت علما على الحكم ، إن وجد المعنى وجد الحكم ، قاله الصيرفي ، وأبو زيد من الحنفية ، وحكاه سليم الرازي في " التقريب " عن بعض الفقهاء ، واختاره صاحب المحصول ، وصاحب المنهاج .

                        ( الثاني ) : أنها الموجبة للحكم بذاتها ، لا بجعل الله ، وهو قول المعتزلة ، بناء على قاعدتهم في التحسين والتقبيح العقليين ، والعلة وصف ذاتي لا يتوقف على جعل جاعل .

                        ( الثالث ) : أنها الموجبة للحكم ، على معنى أن الشارع جعلها موجبة بذاتها ، وبه قال الغزالي وسليم الرازي ، قال الصفي الهندي : وهو قريب لا بأس به .

                        ( الرابع ) : أنها الموجبة بالعادة ، واختاره الفخر الرازي .

                        ( الخامس ) : أنها الباعث على التشريع ، بمعنى أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملا [ ص: 606 ] على مصلحة صالحة لأن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم .

                        ( السادس ) : أنها التي يعلم الله صلاح المتعبدين بالحكم لأجلها ، وهو اختيار الرازي ، وابن الحاجب .

                        ( السابع ) : أنها المعنى الذي كان الحكم على ما كان عليه لأجلها .

                        وللعلة أسماء تختلف باختلاف الاصطلاحات ، فيقال لها : السبب ، والأمارة ، والداعي ، والمستدعي ، والباعث ، والحامل ، والمناط ، والدليل ، والمقتضي ، والموجب ، والمؤثر .

                        وقد ذهب المحققون إلى أنه لا بد من دليل على صحتها; لأنها شرعية كالحكم ، فكما أنه لا بد من دليل على ( الحكم ، كذلك لا بد من دليل على ) العلة .

                        ومنهم من قال : إنها تحتاج إلى دليلين يعلم بأحدهما أنها علة ، وبالآخر أنها صحيحة .

                        وقال ابن فورك : من أصحابنا من قال : يعلم صحة العلة بوجود الحكم بوجودها ، وارتفاعه بارتفاعها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية