الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        وهاهنا فوائد بهذه الاعتراضات :

                        الفائدة الأولى

                        اختلفوا هل يلزم المعترض أن يورد الأسئلة مرتبة بعضها مقدم على البعض إذا أورد أسئلة متعددة ، أم لا يلزمه ذلك ، بل يقدم ما شاء ، ويؤخر ما شاء ؟

                        فقال جماعة : لا يلزمه الترتيب ، وقال آخرون يلزمه ; لأنه لو جاز إيرادها على أي وجه اتفق ، لأدى إلى التناقض ، كما لو جاء بالمنع بعد المعارضة ، أو بعد النقض ، أو بعد المطالبة فإنه ممتنع ; لأنه منع بعد تسليم ، وإنكار بعد إقرار .

                        قال الآمدي : وهذا هو المختار ، وقيل : إن اتحد جنس السؤال كالنقض ، والمعارضة ، والمطالبة ، جاز إيرادها من غير ترتيب ; لأنها بمنزلة سؤال واحد ، فإن تعددت أجناسها ، كالمنع مع المطالبة ، ونحو ذلك ; لم يجز ، وحكاه الآمدي عن أهل الجدل ، وقال : اتفقوا على ذلك ، ونقل عن أكثر الجدليين أنه يقدم المنع ، ثم المعارضة ، ونحوها ، ولا يعكس هذا الترتيب ، وإلا لزم الإنكار بعد الإقرار .

                        وقال جماعة من المحققين منهم : الترتيب المستحسن أن يبدأ بالمطالبات أولا ; لأنه إذا لم يثبت أركان القياس لم يدخل في جملة الأدلة ، ثم بالقوادح; لأنه لا يلزم من كونه على صورة الأدلة أن يكون صحيحا ، ثم إذا بدأ بالمنع ; فالأولى أن يقدم منع وجود الوصف في الفرع ; لأنه دليل الدعوى ، ثم منع ظهوره ، ثم منع انضباطه ، ثم منع كونه علة في الأصل ، فإذا فرغ من المنوع شرع في القوادح ، فيبدأ بالقول الموجب ; لوضوح مأخذه ، ثم بفساد الوضع ، ثم بالقدح في المناسبة ، ثم بالمعارضة .

                        [ ص: 673 ] وقال الأكثر من القدماء كما حكاه عنهم أبو الحسن السهيلي في " أدب الجدل " : إنه يبدأ بالمنع من الحكم في الأصل ; لأنه إذا كان ممنوعا لم يجب على السائل أن يتكلم على كون الوصف ممنوعا ، أو مسلما ، ولا كون الأصل معللا بتلك العلة ، أو بغيرها ، ثم يطالبه بإثبات الوصف في الفرع ، ثم باطراد العلة ، ثم بتأثيرها ثم بكونه غير فاسد الوضع ، ثم بكونه غير فاسد الاعتبار ، ثم بالقلب ، ثم بالمعارضة .

                        وقال جماعة من الجدليين ، والأصوليين : إن أول ما يبدأ به الاستفسار ، ثم فساد الاعتبار ، ثم فساد الوضع ، ثم منع حكم الأصل ، ثم منع وجود العلة في الأصل ، ثم منع علية الوصف ، ثم المطالبة ، وعدم التأثير ، والقدح في المناسبة ، والتقسيم ، وعدم ظهور الوصف وانضباطه ، وكون الحكم غير صالح للإفضاء إلى ذلك المقصود ، ثم النقض والكسر ، ثم المعارضة ، والتعدية ، والتركيب ، ثم منع وجود العلة في الفرع ومخالفة حكمه حكم الأصل ، ثم القلب ، ثم القول بالموجب .

                        وقد قدمنا قول من قال : إن جميع الأسئلة ترجع إلى المنع والمعارضة ، ووجه ذلك أنه متى حصل الجواب عن المنع والمعارضة ، فقد تم الدليل ، وحصل الغرض ، من إثبات المدعي ، ولم يبق للمعترض مجال ، فيكون ما سواهما من الأسئلة باطلا ، فلا يسمع ; لأنه لا يحصل الجواب عن جميع المنوع إلا بإقامة الدليل على جميع المقدمات ، وكذلك لا يحصل الجواب عن المعارضة إلا ببيان انتفاء المعارضة عن جميعها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية