وأما : فلا خلاف أنه يكون بين ما هو معلوم منها . الترجيح بين الأقيسة
وأما ما كان مظنونا ، فذهب الجمهور إلى أنه يثبت الترجيح بينها ، وحكى عن القاضي أنه ليس في الأقيسة المظنونة ترجيح ، وإنما المظنون على حسب الاتفاق ، قال إمام الحرمين : وبناء على أصله أنه ليس في مجال المظنون مطلوب ، وإذا لم يكن فيها مطلوب فلا طريق على التعيين ، وإنما المظنون على حسب الوفاق . إمام الحرمين
قال : وهذه هفوة عظيمة ، ثم ألزمه القول بأنه لا أصل للاجتهاد . إمام الحرمين
قال الزركشي : والحق أن القاضي لم يرد ما حكاه عنه ، وقد عقد فصولا في [ ص: 797 ] " التقريب " في تقديم بعض العلل على بعض ، فعلم أنه ليس يعني إنكار الترجيح فيها ، وإنما مراده أنه لا يقدم نوع على نوع على الإطلاق ، بل ينبغي أن يرد الأمر في ذلك إلى ما يظنه المجتهد راجحا ، والظنون تختلف ، فإنه قد يتفق في آحاد النوع القوي شيء يتأخر عن النوع الضعيف . انتهى .
يكون على أنواع : والترجيح بين الأقيسة
النوع الأول : بحسب العلة .
النوع الثاني : بحسب الدليل الدال على وجود العلة .
النوع الثالث : بحسب الدليل الدال على علية الوصف للحكم .
النوع الرابع : بحسب دليل الحكم .
النوع الخامس : بحسب كيفية الحكم .
النوع السادس : بحسب الأمور الخارجة .
النوع السابع : بحسب الفرع .
أما الترجيح بينها بحسب العلة : فهو أقسام .
( الأول ) : أنه يرجح القياس المعلل بالوصف الحقيقي الذي هو مظنة الحكمة على القياس المعلل بنفس الحكمة ؛ للإجماع بين أهل القياس على صحة التعليل بالمظنة ، فيرجح التعليل بالسفر الذي هو مظنة المشقة على التعليل بنفس المشقة .
( القسم الثاني ) : ترجيح التعليل بالحكمة على التعليل بالوصف العدمي ؛ لأن العدم لا يكون علة ، إلا إذا علم اشتماله على الحكمة .
( القسم الثالث ) : أنه يرجح المعلل حكمة بالوصف العدمي على المعلل حكمة ، بالحكم الشرعي ؛ لأن التعليل بالعدمي يستدعي كونه مناسبا للحكم ، والحكم الشرعي لا يكون علة إلا بمعنى الأمارة ، والتعليل بالمناسب أولى من التعليل بالأمارة ، هكذا قال صاحب المنهاج واختاره .
[ ص: 798 ] وذكر في هذا احتمالين . إمام الحرمين الجويني
( القسم الرابع ) : أنه يرجح المعلل بالحكم الشرعي على غيره .
( القسم الخامس ) : أنه يرجح المعلل بالمتعدية على المعلل بالقاصرة ، قاله القاضي ، والأستاذ أبو منصور ، وابن برهان .
قال وهو المشهور ، فإنه أكثر فائدة . إمام الحرمين :
وقال الأستاذ أبو إسحاق : أنها ترجح القاصرة ؛ لأنها معتضدة بالنص ، ورجحه في المستصفى .
( القسم السادس ) : أنها ترجح العلة المتعدية التي فروعها أكثر على العلة المتعدية التي فروعها أقل ؛ لكثرة الفائدة . قاله الأستاذ أبو منصور وزيفه صاحب المنخول وكلام يقتضي أنه لا ترجيح بذلك . إمام الحرمين
( القسم السابع ) : أنها ترجح العلل البسيطة على العلل المركبة ، كذا قال الجدليون ؛ وأكثر الأصوليين ، إذ يحتمل في العلل المركبة أن تكون العلة فيها هي بعض الأجزاء لا كلها ، وأيضا البسيطة يكثر فروعها وفوائدها ، ويقل فيها الاجتهاد ، فيقل الغلط ، على ما في المركبة من الخلاف في جواز التعليل بها كما تقدم .
وقال جماعة : المركبة أرجح ، قال القاضي في مختصر التقريب : ولعله الصحيح .
وقال : إن هذا المسلك باطل عند المحققين . إمام الحرمين
( القسم الثامن ) : أنها ترجح العلة القليلة الأوصاف على العلة الكثيرة الأوصاف ؛ لأن الوصف الزائد لا أثر له في الحكم ؛ ولأن كثرة الأوصاف يقل فيها التفريع .
وقيل : وهو مجمع على هذا المرجح بين المحققين من الأصوليين ، إذا كانت القليلة الأوصاف داخلة تحت الكثيرة الأوصاف ، فإن كانت غير داخلة ، مثل أن يكون أوصاف إحداهما غير أوصاف الأخرى ، فاختلفوا في ذلك ، قيل : ترجح القليلة الأوصاف ، وقيل : ترجح الكثيرة الأوصاف .
[ ص: 799 ] ( القسم التاسع ) : أنه يرجح الوصف الوجودي على العدمي ، وكذا الوصف المشتمل على وجوديين على الوصف المشتمل على وجودي وعدمي ، كذا في المحصول .
( القسم العاشر ) : أنها ترجح العلة المحسوسة على الحكمية ، وقيل بالعكس .
( القسم الحادي عشر ) : أنها ترجح العلة التي مقدماتها قليلة على العلة التي مقدماتها كثيرة ؛ لأن صدق الأولى ، وغلبة الظن بها أكثر من الأخرى ، وقيل : بالعكس ، وقيل : هما سواء .
( القسم الثاني عشر ) : ( أنها تقدم العلة المطردة المنعكسة على العلة التي تطرد ولا تنعكس ؛ لأن الأولى مجمع على صحتها بخلاف الأخرى . )
( القسم الثالث عشر ) : أنها ترجح العلة المشتملة على صفة ذاتية على العلة المشتملة على صفة حكمية ، وقيل : بالعكس ، ورجحه ابن السمعاني .
( القسم الرابع عشر ) : أنها ترجح العلة الموجبة للحكم على العلة المقتضية للتسوية بين حكم وحكم ؛ للإجماع على جواز التعليل بالأولى ، بخلاف الثانية ففيها خلاف .
وقال : إن علة التسوية أولى ، لكثرة الشبه فيها . أبو سهل الصعلوكي