الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        وأما الترجيح بين الأقيسة : فلا خلاف أنه يكون بين ما هو معلوم منها .

                        وأما ما كان مظنونا ، فذهب الجمهور إلى أنه يثبت الترجيح بينها ، وحكى إمام الحرمين عن القاضي أنه ليس في الأقيسة المظنونة ترجيح ، وإنما المظنون على حسب الاتفاق ، قال إمام الحرمين : وبناء على أصله أنه ليس في مجال المظنون مطلوب ، وإذا لم يكن فيها مطلوب فلا طريق على التعيين ، وإنما المظنون على حسب الوفاق .

                        قال إمام الحرمين : وهذه هفوة عظيمة ، ثم ألزمه القول بأنه لا أصل للاجتهاد .

                        قال الزركشي : والحق أن القاضي لم يرد ما حكاه عنه ، وقد عقد فصولا في [ ص: 797 ] " التقريب " في تقديم بعض العلل على بعض ، فعلم أنه ليس يعني إنكار الترجيح فيها ، وإنما مراده أنه لا يقدم نوع على نوع على الإطلاق ، بل ينبغي أن يرد الأمر في ذلك إلى ما يظنه المجتهد راجحا ، والظنون تختلف ، فإنه قد يتفق في آحاد النوع القوي شيء يتأخر عن النوع الضعيف . انتهى .

                        والترجيح بين الأقيسة يكون على أنواع :

                        النوع الأول : بحسب العلة .

                        النوع الثاني : بحسب الدليل الدال على وجود العلة .

                        النوع الثالث : بحسب الدليل الدال على علية الوصف للحكم .

                        النوع الرابع : بحسب دليل الحكم .

                        النوع الخامس : بحسب كيفية الحكم .

                        النوع السادس : بحسب الأمور الخارجة .

                        النوع السابع : بحسب الفرع .

                        أما الترجيح بينها بحسب العلة : فهو أقسام .

                        ( الأول ) : أنه يرجح القياس المعلل بالوصف الحقيقي الذي هو مظنة الحكمة على القياس المعلل بنفس الحكمة ؛ للإجماع بين أهل القياس على صحة التعليل بالمظنة ، فيرجح التعليل بالسفر الذي هو مظنة المشقة على التعليل بنفس المشقة .

                        ( القسم الثاني ) : ترجيح التعليل بالحكمة على التعليل بالوصف العدمي ؛ لأن العدم لا يكون علة ، إلا إذا علم اشتماله على الحكمة .

                        ( القسم الثالث ) : أنه يرجح المعلل حكمة بالوصف العدمي على المعلل حكمة ، بالحكم الشرعي ؛ لأن التعليل بالعدمي يستدعي كونه مناسبا للحكم ، والحكم الشرعي لا يكون علة إلا بمعنى الأمارة ، والتعليل بالمناسب أولى من التعليل بالأمارة ، هكذا قال صاحب المنهاج واختاره .

                        [ ص: 798 ] وذكر إمام الحرمين الجويني في هذا احتمالين .

                        ( القسم الرابع ) : أنه يرجح المعلل بالحكم الشرعي على غيره .

                        ( القسم الخامس ) : أنه يرجح المعلل بالمتعدية على المعلل بالقاصرة ، قاله القاضي ، والأستاذ أبو منصور ، وابن برهان .

                        قال إمام الحرمين : وهو المشهور ، فإنه أكثر فائدة .

                        وقال الأستاذ أبو إسحاق : أنها ترجح القاصرة ؛ لأنها معتضدة بالنص ، ورجحه في المستصفى .

                        ( القسم السادس ) : أنها ترجح العلة المتعدية التي فروعها أكثر على العلة المتعدية التي فروعها أقل ؛ لكثرة الفائدة . قاله الأستاذ أبو منصور وزيفه صاحب المنخول وكلام إمام الحرمين يقتضي أنه لا ترجيح بذلك .

                        ( القسم السابع ) : أنها ترجح العلل البسيطة على العلل المركبة ، كذا قال الجدليون ؛ وأكثر الأصوليين ، إذ يحتمل في العلل المركبة أن تكون العلة فيها هي بعض الأجزاء لا كلها ، وأيضا البسيطة يكثر فروعها وفوائدها ، ويقل فيها الاجتهاد ، فيقل الغلط ، على ما في المركبة من الخلاف في جواز التعليل بها كما تقدم .

                        وقال جماعة : المركبة أرجح ، قال القاضي في مختصر التقريب : ولعله الصحيح .

                        وقال إمام الحرمين : إن هذا المسلك باطل عند المحققين .

                        ( القسم الثامن ) : أنها ترجح العلة القليلة الأوصاف على العلة الكثيرة الأوصاف ؛ لأن الوصف الزائد لا أثر له في الحكم ؛ ولأن كثرة الأوصاف يقل فيها التفريع .

                        وقيل : وهو مجمع على هذا المرجح بين المحققين من الأصوليين ، إذا كانت القليلة الأوصاف داخلة تحت الكثيرة الأوصاف ، فإن كانت غير داخلة ، مثل أن يكون أوصاف إحداهما غير أوصاف الأخرى ، فاختلفوا في ذلك ، قيل : ترجح القليلة الأوصاف ، وقيل : ترجح الكثيرة الأوصاف .

                        [ ص: 799 ] ( القسم التاسع ) : أنه يرجح الوصف الوجودي على العدمي ، وكذا الوصف المشتمل على وجوديين على الوصف المشتمل على وجودي وعدمي ، كذا في المحصول .

                        ( القسم العاشر ) : أنها ترجح العلة المحسوسة على الحكمية ، وقيل بالعكس .

                        ( القسم الحادي عشر ) : أنها ترجح العلة التي مقدماتها قليلة على العلة التي مقدماتها كثيرة ؛ لأن صدق الأولى ، وغلبة الظن بها أكثر من الأخرى ، وقيل : بالعكس ، وقيل : هما سواء .

                        ( القسم الثاني عشر ) : ( أنها تقدم العلة المطردة المنعكسة على العلة التي تطرد ولا تنعكس ؛ لأن الأولى مجمع على صحتها بخلاف الأخرى . )

                        ( القسم الثالث عشر ) : أنها ترجح العلة المشتملة على صفة ذاتية على العلة المشتملة على صفة حكمية ، وقيل : بالعكس ، ورجحه ابن السمعاني .

                        ( القسم الرابع عشر ) : أنها ترجح العلة الموجبة للحكم على العلة المقتضية للتسوية بين حكم وحكم ؛ للإجماع على جواز التعليل بالأولى ، بخلاف الثانية ففيها خلاف .

                        وقال أبو سهل الصعلوكي : إن علة التسوية أولى ، لكثرة الشبه فيها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية