الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
[ ص: 220 ]

( ( من رحمة ونحوها كوجهه ويده وكل ما من نهجه ) )      ( ( وعينه وصفة النزول
وخلقه فاحذر من النزول ) )      ( ( فسائر الصفات والأفعال
قديمة لله ذي الجلال ) )      ( ( لكن بلا كيف ولا تمثيل
رغما لأهل الزيغ والتعطيل ) )      ( ( فمرها كما أتت في الذكر
من غير تأويل وغير فكر ) )



[ ص: 221 ] إذا علمت ذلك فمما يثبته له تعالى السلف دون غيرهم - صفة الرحمة ، وقد أشار إليها بقوله ( ( من رحمة ) ) وهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تقتضي التفضل والإنعام كما تقدم في أول الكتاب .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في شرح العقيدة الأصفهانية : الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، فإنه قد علم بالسمع مع العقل أن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، كما قال : ( ( هل تعلم له سميا ) ) ، ( ( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ) ، ( ولم يكن له كفوا أحد ) ، وقد علم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ، ويجب له ما يجب له ، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ، فلو كان المخلوق مثلا للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع ، والخالق يجب وجوده وقدمه ، والمخلوق يستحيل وجوب وجوده وقدمه ، بل يجب حدوثه وإمكانه ، فلو كانا متماثلين للزم اشتراكهما في ذلك ، وهذا جمع بين النقيضين .

قال : إذا عرف هذا فنقول : إن الله تعالى سمى نفسه في القرآن العظيم بالرحمن الرحيم ، ووصف نفسه بالرحمة ، كما قال : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) ، ( ورحمتي وسعت كل شيء ) .

قال : ومن الناس من جعل رحمة الله تعالى عبارة عما يخلقه من النعمة ، ومنهم من جعل رحمته إرادته لأنهم زعموا أن الرحمة لغة رقة القلب وانعطافه ، وذلك من الكيفيات التابعة للمزاج ، والله تعالى منزه عنها ، فالمراد بها في حقه إرادة الخير والإحسان إلى من يرحمه ، فإن أسماء الله تعالى تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال ، دون المبادئ التي هي انفعالات ، وقد مر في أول الكتاب الكلام على الرحمة بما لعله يشفي ويكفي .

التالي السابق


الخدمات العلمية