الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( تنبيهات )

الأول : الذي يلزم من قال بإثبات صفة النزول يلزم مثله من قال بصفة الحياة والسمع والبصر والعلم والكلام والقدرة والإرادة له تعالى ، لأنه لا يعقل من هذه الصفات إلا الأعراض التي لا تقوم إلا بجوارحنا ، فكما نقول نحن وإياهم حياته وسمعه وبصره ليست بأعراض ، بل هي صفات كما يليق به لا كما تليق بنا ، فنقول نحن أيضا بمثل ذلك بعينه نزوله وفوقيته واستواؤه ونحو ذلك ، فكل ذلك ثابت معلوم غير مكيف بكيفية ولا انتقال يليق بالمخلوق ، بل هو كما أخبر هو ورسوله سيد البشر مما يليق بجلال عظمته وباهر كبريائه ، لأن ذاته وصفاته معلومة من حيث الجملة ثبوت وعلم وجود بلا كيفية ولا تحديد ، فكل ما ورد في الكتاب ، وصح عن رسول الملك الوهاب ، فسبيله واحد من النزول ، واليد والقدم والوجه والغضب والرضا وغيرها فاحفظه ، وبالله التوفيق

ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - روح الله روحه - في رسالته الحموية : واعلم أنه ليس في العقل الصريح ، ولا في النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا ، وقد علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بهذه الأمور بالاضطرار ، كما أنه جاء بالصلوات الخمس ، وصوم شهر رمضان ، فالتأويل الذي يحيلها عن هذا بمنزلة تأويلات القرامطة والباطنية في الحج والصوم والصلاة وسائر ما جاءت به النبوة ، ثم إن العقل الصريح يوافق ما جاءت به النصوص ، وإن كان في النصوص من التفصيل ما يعجز العقل عن درك تفصيله على أن الأساطين من هؤلاء والفحول معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية

[ ص: 248 ] وإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه ، ومن المعلوم للمؤمنين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم من غيره بذلك ، وأنصح للأمة ، وأفصح من غيره عبارة وبيانا ، بل هو أعلم الخلق بذلك ، وأنصح الخلق للأمة وأفصحهم ، فقد اجتمع في حقه - صلى الله عليه وسلم - كمال العلم والقدرة والإرادة ، من المعلوم أن المتكلم إذا كمل علمه وقدرته وإرادته كمل كلامه وفعله ، وإنما يدخل النقص إما من نقص علمه ، وإما من عجزه عن بيان علمه وإما لعدم إرادة البيان والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الغاية في كمال العلم والغاية في إرادة كمال البلاغ المبين والغاية في قدرته على البلاغ ، ومع وجود القدرة التامة والإرادة الجازمة ، يجب وجود المراد ، فعلم قطعا أن ما بينه من الإيمان بالله واليوم الآخر حصل به مراده من البيان وأن ما أراده من البيان هو المطابق لعلمه ، وعلمه بذلك هو أكمل العلوم ، فكل من ظن أن غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعلم بهذا منه فهو من الملحدين ، لا من المؤمنين ، والصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون لهم بإحسان ، - رحمة الله عليهم - ومن سلك سبيل السلف ، هم في هذا الباب على الاستقامة دون سواهم . وتقدم في صدر الكتاب ما لعله يشفي ويكفي .

التالي السابق


الخدمات العلمية