الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثاني ) قال أهل التأويل : أن العرب تنسب الفعل إلى من أمر به ، كما تنسبه إلى من فعله وباشره بنفسه ، قالوا : والمعنى هنا أن الله تعالى يأمر ملكا بالنزول إلى السماء الدنيا فينادي بأمر .

وقال بعضهم : أن قوله وينزل راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته المقدسة فإن النزول كما يكون في الأجساد يكون في المعاني ، أو راجع إلى الملك الذي ينزل بأمره ونهيه تعالى ، فإن حمل النزول في الأحاديث على الجسم فتلك صفة الملك المبعوث بذلك ، وإن حمل على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل سمي ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة ، والحاصل أن تأويله على وجهين ، إما بأن المراد ينزل أمره أو الملك بأمره ، وإما أنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ، ونحو ذلك كما يقال نزل البائع في سلعته إذا قارب المشتري بعد ما باعده وأمكنه منها بعد منعه ، والمعنى هنا أن العبد في هذا الوقت أقرب إلى رحمة الله منه في غيره من الأوقات ، وأنه تعالى يقبل عليهم بالتحنن والعطف في هذا [ ص: 249 ] الوقت بما يلقيه في قلوبهم من التنبيه والتذكير الباعثين لهم على الطاعة ، وقد حكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبط رواية البخاري بضم أوله على حذف المفعول ، أي ينزل ملكا قالوا : ويقويه ما روى النسائي وغيره عن أبي هريرة ، وأبي سعيد - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ، ثم يأمر مناديا يقول : هل من داع يستجاب له ، هل من مستغفر يغفر له ، هل من سائل يعطى " ، قال القرطبي صححه عبد الخالق . قالوا وهذا يرفع الإشكال ، ويزيل كل احتمال ، والسنة يفسر بعضها بعضا وكذا الآيات .

قالوا ولا سبيل إلى حمله على صفات الذات المقدسة فإن الحديث فيه التصريح بتجدد النزول واختصاصه ببعض الأوقات والساعات ، وصفات الرب جل شأنه يجب اتصافها بالقدم وتنزيهها عن التجدد والحدوث . قالوا : وكل ما لم يكن فكان أو لم يثبت فثبت من أوصافه تعالى فهو من قبيل صفة الأفعال ، قالوا : فالنزول والاستواء من صفات الأفعال ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية